ولما دنا عمار في كتيبته نظر إليها الزبير فقال : كتيبة من هذه ؟ قالوا : كتيبة عمار . فدعا الزبير فتى من الأزد يقال له الضحاك بن عدس على فرس له جواد فقال له : ادن من القوم فانظر هل ترى فيهم عمارا . فدنا الفتى ونادى : ألا كفوا فإني رسول . فكفوا عنه حتى دنا ، فنظر إلى عمار ثم رجع . فقال : يا أبا عبد الله هذا عمار صاحب الفرس الأدهم قد استثبته . فقال له الزبير : هل رأيت بأنفه خرما ؟ فعاد الفتى إليهم ، وعرف عمارا أنه رسول ، فهدر عن لثامه وحسر عن رأسه ، فنظر الفتى إلى خرمه ، ثم رجع إلى الزبير فأخبره ، فأهوى الزبير إلى حقوه وجعل يقول : وا جليل مصيبتاه ، واقطع ظهراه ، وا سوءتاه من الوقوف بين يدي الله عز وجل غدا . فقال له الفتى : مالك يا أبا عبد الله ؟ فقال : خير يا بن عم . فقلب الفتى ترسه وركض على فرسه حتى لحق بعلي ( عليه السلام ) فأخبره بذلك ، ثم أنشأ يقول : قال الزبير ولم أعلم بفتنته * لله درك هل في القوم عمار فانظر فدى لك نفسي هل ترى خرما * في الأنف منه وفي الحوباء إضمار فاعتمت جمعهم حتى وقعت به * ثم استبنت وللخيلين اعصار خرم بأنف أبي اليقظان فانكشفت * عنه الغمامة إذ مخ الفتى رار [1] لما رأيت الفتى أبدت ندامته * حولت ترسي وفي تركيه اعذار قالوا لبست بها عارا فقلت لهم * سيان ذا العار بعد الموت والنار وحمل مالك بن الحارث الأشتر ، ثم تقدم عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنهما ، وتقدم شريح بن هاني ( رضي الله عنه ) في بني الحارث بن كعب ، وكان إذا قاتل قاتل بهم وبأهل نجران ، فجعل يتقلب كالفحل المزبد وهو يرتجز ويقول : قدما بني الحارث قدما لا شلل * لا عيش إلا ضرب أصحاب الجمل بالبيض والطعن بأطراف الأسل * إن التراخي في الوغى من الفشل والقول لا ينفع إلا بالعمل * والغزو لا ينفع إلا بالفعل خوضوا سريعا تدركوا عظم الأمل * مالكم بعد علي من بدل
[1] مخ رار : ذائب فاسد من الهزال ( لسان العرب 4 / 313 ) .