جماعة منهم إلى الموضع فكشفوه بالمساحي فظهر لهم صخرة عظيمة تلمع ، قالوا : يا أمير المؤمنين هاهنا صخرة ، لا تعمل فيها المساحي . فقال لهم : إن هذه الصخرة على الماء فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء فاجتهدوا في قلبها . واجتمع القوم وراموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا . واستصعبت عليهم ، فلوى رجله عن سرجه حتى صار على الأرض ثم حسر عن ذراعه ووضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها ثم قلعها بيده ودحى بها أذرعا كثيرة . فلما زالت عن مكانها ظهر لهم بياض الماء فبادروا إليه ، وكان أعذب ماء شربوا منه في سفرهم وأبرده وأصفاه . فقال لهم : تزودوا وارتووا . ففعلوا . ثم جاء إلى الصخرة فتناولها بيده ووضعها حيث كانت وأمر أن يعفى أثرها بالتراب ، والراهب ينظر من فوق ديره ، فلما استوفى علم ما جرى نادى : يا معشر الناس أنزلوني . فاحتالوا في إنزاله ، فوقف بين يدي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقال له : يا هذا أنت نبي مرسل ؟ قال : لا . قال : فملك مقرب ؟ قال : لا . قال : فمن أنت : قال : أنا وصي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) محمد بن عبد الله خاتم النبيين . قال : ابسط يدك أسلم لله تعالى على يدك . فبسط أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يده وقال له : اشهد الشهادتين . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأشهد أنك وصي رسول الله وأحق الناس من بعده بالأمر . فأخذ ( عليه السلام ) عليه شرائط الاسلام . ثم قال له : ما الذي دعاك الآن إلى الاسلام بعد طول مقامك على الخلاف في هذا الدين [1] ؟ قال : أخبرك يا أمير المؤمنين ، هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها ، وقد مضى عالم قبلي لم يدركوا ذلك ، وقد رزقنيه الله عز وجل . * * *
[1] والعبارة في الارشاد هكذا : بعد طول مقامك في هذا الدير على الخلاف : ص 176 - 177 .