اضرب ببصرك ناحية البحر فانظر أي شئ يجئ من هناك وخبرني به . قال : فصعد عبد الله أبا قبيس فما لبث أن جاء طير أبابيل مثل السيل والليل فسقط على أبي قبيس ، ثم صار إلى البيت وطاف به سبعا ، ثم صار إلى الصفا والمروة فطاف بهما سبعا . فجاء عبد الله إلى أبيه فأخبره الخبر . فقال له : انظر يا بني ما يكون من أمرها بعد فأخبرني به . فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة ، فأخبر عبد المطلب بذلك ، فخرج عبد المطلب وهو يقول : يا أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم . قال : فأتوا العسكر وهم أمثال الخشب النخرة وليس من الطير إلا ومعه ثلاثة أحجار في منقاره ويديه يقتل بكل حصاة منها واحدا من القوم . فلما أتوا على جميعهم انصرفوا . فلم ير قبل ذلك ولا بعده . فلما هلك القوم بأجمعهم جاء عبد المطلب إلى البيت فتعلق بأستاره وقال : يا حابس الفيل بذي المغمس * حبسته كأنه مكوكس [1] في محلس يزهق فيه الأنفس . وانصرف وهو يقول : في فرار قريش وجزعهم من الحبشة : طارت قريش إذا رأت خميسا * فظلت فردا لا أرى أنيسا ولا أحس منهم حسيسا * إلا أخا لي ماجدا نفيسا مسودا في أهله رئيسا [2] فكانوا بين هالك مكانه ، أو مات في الطريق عطشا ، وسلط الله على جيشه من العرب الجدري والحصبة ، وهلك الأشرم وابنه النجاشي وكان على مقدمته ، وأفلت نفيل بن الحبيب الخثعمي وكان قائد الفيل ، وأفلت أخنس الفهمي وكان دليل الحبشة .
[1] قال الفيروز آبادي : المغمس كمعظم ، ومحدث : موضع بطريق الطائف فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة ، ومكوكس : المنكس الذي قلب على رأسه ، وفي نسخة البحار " مكوس " بتشديد الواو وهو بمعناه . ونقل في البحار في بيانه عن القاموس : المكوس كمعظم : حمار . [2] أمالي المفيد : ص 313 - 315 المجلس 37 ح 5 .