وفيه يقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : رحم الله أوسا أنه مات في الحنيفية ، وحث على نصرنا في الجاهلية [1] . وقيل : إن عامر بن الطفيل كان من جملة العشرة الذين أوفدهم النعمان بن المنذر على كسرى ، فتكلم كل واحد منهم بكلام ، إلى أن قام عامر بن الطفيل فقال : كثر فنون المنطق ، وليس القول أعمى من حندس الظلماء ، وإنما العجز في الفعال والعجز في النجدة ، والسؤدد مطاوعة القدرة ، ما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا ، وبالحرا إن أدالت الأيام وثابت الأحلام أن تحدث أمور لها أعلام . قال : وما تلك الأحلام والأيام ؟ قال : تجتمع الأحياء من ربيعة ومضر على أمر يذكر . قال كسرى : وما الأمر الذي يذكر ؟ قال : ما لي علم بأكثر ما خبرت به محمد . قال كسرى : متى تكهنت يا ابن الطفيل ؟ قال : لست بكاهن ولكني بالرمح طاعن . قال له كسرى : فإن أتاك آت من ناحية عينك العوراء ما أنت صانع ؟ قال : ما هيبتي في قفاي بدون هيبتي في وجهي ، وما أذهب عيني عيث [2] ولكن مطاعنة العيث [3] . قيل : كانت تبع الأول من الخمسة الذين ملكوا الدنيا بأسرها ، فسار في الآفاق ، وكان يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم ، فلما وصل إلى مكة كان معه أربعة آلاف رجل من العلماء ، فلم يعظمه أهل مكة فغضب عليهم وقال لوزيره " عمياريسا " في ذلك . فقال الوزير : إنهم جاهلون ويعجبون بهذا البيت . فعزم الملك في نفسه بأن يخربها ويقتل أهلها فأخذه الله بالصدام ، وفتح من عينيه وأذنيه وأنفه وفمه ماء منتنا عجزت الأطباء عنه ، وقالوا : هذا أمر سماوي وتفرقوا عنه .
[1] المناقب لابن شهرآشوب : ج 1 / ص 22 - 23 . [2] العيث : مصدر عاث : أفسد وأخذ بغير رفق . ( لسان العرب 2 / 170 ) . [3] جواهر الأدب : ص 198 . وفيه " مطاوعة العبث " بدل " مطاعنة العيث " .