الأول : أنه كما يبعد في العادة صعود الجسم الأرضي إلى الهواء العالي فكذلك يبعد نزول الجسم الهوائي إلى الأرض ، فلو صح استبعاد صعود محمد ( عليه السلام ) لصح استبعاد نزول جبريل ( عليه السلام ) ، وذلك يوجب إنكار النبوة . والثاني : وهو أنه لما لم يبعد انتقال إبليس في اللحظة الواحدة من المشرق إلى المغرب وبالضد فكيف يستبعد ذلك من محمد ( صلى الله عليه وآله ) ؟ ! والثالث : وهو أنه قد صح في الهيئة أن الفرس في حال ركضه الشديد في الوقت الذي يرفع يده إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف [1] فرسخ ، فثبت أن الحركة السريعة إلى هذا الحد ممكنة ، والله قادر على جميع الممكنات ، فكانت الشبهة زائلة ، والله أعلم . هذا قول ابن الخطيب . وقلنا : أي وقت يكون صعود الشخص البشري إلى ما فوق السماوات ممتنعا إذا كان من قبل نفسه أو إذا كان من قبل غيره ، أما إذا كان من قبل نفسه فمسلم ، وأما إذا كان من قبل غيره فممنوع ، وقد قال الله عز وجل عن إدريس ( عليه السلام ) : * ( ورفعناه مكانا عليا ) * [2] وقال لعيسى ( عليه السلام ) : * ( إني متوفيك ورافعك إلي ) * [3] وما أراد إلا رفع الأجساد والأرواح ، ولو أراد الأرواح وحدها لما حصل لهما بهذا القول مدح ، لأن جميع الأرواح عند خروجها من الأجساد تصعد إلى المكان العلي ، وقوله عز وجل عن محمد ( صلى الله عليه وآله ) : * ( ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) * [4] ما أراد بهذا إلا فوق السماوات ، لأنها صفة مدح وتخصيص ، ولو كان المعنى غير ذلك لكان قد شاركه في هذا القرب كل العالم . وإن قيل : إن جبريل ( عليه السلام ) هو الذي كان ينزل إلى محمد ( عليه السلام ) قاب قوسين أو أدنى . قلنا : قد أجمع المسلمون أن جبريل ( عليه السلام ) كان ينزل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويجالسه ويحادثه ، وفي كل ذلك كان اليه قاب قوسين أو أدنى .
[1] في الأصل : ألف . [2] مريم : 57 . [3] آل عمران : 55 . [4] النجم : 8 .