للتحصيل ساقني بعيداً عن وطني ودفعني إلى الهجرة في سبيل خدمة العلماء والفضلاء المجدّين المجاهدين ، وأبي المرحوم - رفع الله قدره - ما رفع قدميه من السجادة ليطأ وسادة المنبر قطّ ، مع أنّه كان ماهراً في العلوم الحقة ومتبحّراً ومن أهل الدرس والتحصيل وأئمّة الجماعة ; بل كان يرى ارتقاء المنبر منكراً لشدّة احتياطه . وكنت في بداية أيّام الإشتغال وأوائل الأمر غافلاً عن قضية المنبر وحائداً عن السير في هذا الصراط ، وبعد عودتي من المشاهد المشرّفة مكثت قليلاً في إصفهان وكاشان ثمّ تشرّفت بزيارة العتبات المقدّسة عن طريق يزد وكرمان ، وأكملت مقصودي في هذه المدة - ما استطعت إلى ذلك سبيلاً - فتعلّمت المقدّمات اللازمة للعلم من أهل العلم . وبعد عودتي إلى طهران كنت أُلقي في الليل - في مسجد والدي - بعد صلاة الجماعة بعض المسائل والأحكام على مسامع المأمومين والعوام ، وفي ليالي الجمعة كنت أذكر شيئاً من المصيبة في الجملة ، وكنت أراجع كتب الأخبار والحديث ; فشجّعني بعض الفضلاء والمؤمنين على سلوك هذا النهج ، حتّى صار عندي بصيرة واطّلاع في معرفة الحديث . فلمّا لبّى المرحوم أبي دعوة الحق ، خلّف لهذا الحقير كتباً موقوفةً وأثاثاً مختصراً لا يستحقّ الذكر ، وكان معي ورثة آخرون يشاركوني فيها ، وما كان يخصّني من تركته كان عبارة عن مبلغ من الديون وجماعة من العيال وقلّة المؤنة دون معونة من أحد وبيت خربة رهن الدائنين ، آيساً من كلّ أحد ومحروماً من كلّ عمل ، فانقطعت بي السُبل وجفّت الموارد ، فاضطررت للتشرّف لزيارة بيت الله