الأعظم ، وخدمها روح القدس والملائكة الكرام ، ومن كانت كذلك حقّ لها أن تأتي في صغرها بما يعجز عنه كبار العباد ، وذلك لأنّ قواها العاقلة وملكاتها الإلهيّة تختلف عن قوى الآخرين ، وتختلف عن ملكات الرجال والنساء من العالمين . لقد كفل زكريّا مريم ورأى منها - قبل البلوغ - خوارق العادات ، وكانت تنمي - كفاطمة الزهراء - خلافاً للعادة المرسومة بين النسوان ، كما نصّ على ذلك كتب الأخبار والتفاسير ، ولكن يبقى ثمّة فرق بينهما حيث الشرف الذاتيّ النفسانيّ لفاطمة على مريم ، وفضل الذات المقدّسة النبويّة على زكريّا ، وشرف مكّة المكرّمة على بيت المقدس . فتربية فاطمة وكفالتها وقابليتها شئ آخر يختلف تماماً عن حالات مريم والنساء الأخريات . نعم ; قد تكون مثالاً لفاطمة ، كالخضر لصاحب الزمان ( عليه السلام ) ، فقد ورد في أخبار أهل البيت ( عليهم السلام ) أنّ طول عمر الخضر وبقاء حياته آية ودليل على طول عمر آية الله في العالمين إمام العصر ، وهكذا هي عبادة مريم ( عليها السلام ) وخدمتها وعصمتها وملكاتها الحسنة آية ودليل ومثال للصديقة الكبرى سلام الله عليها . الحاصل : عاشت حبيبة ذي الجلال على هذا المنوال ثلاث سنين أخرى في كنف أبيها وهي تتزوّد بالفضائل في كلّ ساعة وآن ، وتشتدّ في العبادات البدنيّة في ساعات الليل والنهار ، وكان النبيّ يتلقّى الوحي من المبادئ العالية ، وكلّما نزل عليه شئ شمّت ريحه فاطمة ( عليها السلام ) . وكان النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلقّنها الوحي ويعلّمها وهي تأخذه كاملاً تامّاً كما نزل ، فاكتسبت في السنوات الثمان تمام معارف الدين ومعالم شريعة سيّد المرسلين أصولاً وفروعاً ، حتّى لم يكن حينئذ أحد من العالمين له يقين كيقينها أو عرفان كعرفانها أو كمال إيمان يماثل كمال إيمانها ، فلمّا هاجرت إلى المدينة كانت -