عن العادة لتبقى مقيمة في بيت المقدس وتتفرّغ لخدمته ، فلمّا اطمئنّت حنّة شكرت ربّها وسمّتها حسب ما سيؤول إليه أمرها « مريم » ، أي البنت التي صارت منذ بدو تكليفها محرّرة لخدمة البيت . وبعبارة أخرى : إنّ المقصود من الولد الذَّكَر هو ملازمة بيت المقدس والإقامة فيه ، فلمّا ارتفع المانع من البنت جرى عليها التكليف فتحقّق الغرض وحصل المقصود . ويدلّ قوله تعالى : ( إنّي نذرتُ لك ما في بطني مُحرَّراً فتقبّل منّي إنّك أنت السَّميع العليم ) [1] دلالة واضحة على أنّ أم مريم كانت قد نذرت أنّها إن رُزقت ولداً جعلته محرّراً . وسبب نذرها كما في كتب التفاسير المعتبرة : أنّ حنّة كانت عقيماً ، فآيست من الولد ، غير أنّها كانت تدعو الله دائماً أن يرزقها ولداً ذكراً ، ورأت يوماً طائراً على غصن يزقّ فرخه فرقّت وتضرّعت إلى الله وتوسّلت إلى الربّ القادر وعرضت حاجتها على ربّ القضاء ، وتوسّلت بلسان الدعاء : أن يا ربّ يا قدير ألا تتفضّل على هذه الضعيفة العاجزة وتمنّ عليها وترزقها ولداً يعبدك ويكون محرّراً لك ، فاستجاب الله دعاءها وأعطيت سؤلها وحملت بمريم المقدّسة ، وقبل الله منها هذه الأُنثى بدل الذَّكَر [2] . ثمّ إنّ زوجها عمران كان موعوداً بذكر ، فكانت مريم للأُمّ وعيسى للأب كما ورد في الأخبار المذكورة في محلّها .
[1] آل عمران : 35 . [2] تفسير الكشّاف للزمخشري 1 / 355 ذيل الآية .