أخرى خاصّة ، بينما كان الحقّ وأولياء الحقّ يتسترّون بأستار الخفاء ، فكان لدولة الباطل صورة خاصة ، وكان فنّ الرواية والتحديث ممدوحاً ومرغوباً في ذلك الزمان ، وكان أغلب علماء العامة في ذلك العصر قد جوّزوا وضع الحديث على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . قال الغزالي : « أجاز أبو حنيفة وضع الحديث على وفق رأيه » . وقال ابن وكيع : « كان سفيان الثوري يضع الحديث لبني مروان » . وكان ابن سيرين لا يتحرّج من لعن أمير المؤمنين ويقول : لا أطيق سماع لعن الحجّاج ! ! وهؤلاء كانوا رواة حديثهم ، ولهذا كانوا ينبرون جهاراً وصراحة لمعارضة أولياء الحق إرضاءاً لميول خلفاء الجور ، ويضعون لهم ما يشتهون من الحديث عامدين عالمين ، ويستشهدون له بأشباههم وأذنابهم من أهل الهوى وطلاّب الدنيا ، فيصدّقهم هؤلاء إرضاءاً للحكّام وطمعاً في المال ، فيُماشونهم ظاهراً وباطناً . ومن ذا الذي يعارض بني العباس وهم أصحاب الحكم العريض والمُلك الواسع ؟ ومن الذي يخالفهم أو يتفوّه بكلمة لا ترضيهم ، أو يتكلّم بما لا يشتهون ؟ ! ولقد عاش الأئمّة المعصومون في عصر بيعة الخلفاء وفي بحبوحة شيوع التقيّة ، فلم يجرؤ أحد على بيان فضيلة من فضائلهم أو رواية منقبة من مناقبهم ، كيف وهم يعيشون في دولة بني العبّاس العظيمة التي قامت على أنقاض سلطان بني أميّة القوي ، والجميع يعرف موقف بني العبّاس من أهل البيت ( عليهم السلام ) .