توازن الحوار بين مبادئ الاتّفاق والاختلاف الباحث في الأديان قد تنتابه وتعتريه نزعة للوحدة ، وكذلك تنتابه نزعة للخلاف مع هذا الدين أو ذاك . وما يجب أن نؤكّد عليه هو حالة التوازن بين هاتين النزعتين عند الباحث ; لأنّه في حالة الميل لنزعة الوحدة فإنّها ستحاول إلغاء معالم هذا الدين أو ذاك بسبب حالة الدمج مع غيره ; وبالتالي سوف يحصل التنازل عن الثوابت في الأديان ، وسيؤدّي ذلك إلى إنكار نقاط الخلاف ، إذن الإفراط في نقاط الاتّفاق يعمي عن نقاط الاختلاف ، أمّا إذا حصل الميل لنزعة الفرقة فإنّ آثاره قد تكون أشدّ من الحالة الاُولى ; لأنّه ربّما اتّهمت الدين الآخر بما ليس فيه من أجل إسقاطه وتوهينه ، ويكون الإفراط في نقاط الاختلاف يعمي عن نقاط الاتّفاق أيضاً .
وما قلناه في الخلاف بين الأديان نقوله في التقريب بين المذاهب . ونحن لسنا بصدد رفض حوار الأديان أو تقريب المذاهب ، ولكن يجب أن يكون هذا الحوار وهذا التقريب مبنياً على حالة التوازن والموضوعيّة بين الثوابت في الدين والمتغيّرات ، فالتعدّد في الآراء والقناعات والمسائل العقليّة والعقائديّة حسن وإن كان من العوامل المفرّقة بين الأديان أو المذاهب ; لأنّ في مقابل هذا التعدّد هناك نقاط مشتركة بين المذاهب والأديان على الصعيد العملي والسلوكي ، وكذلك على الصعيد الإنساني .

187