يحبسني ويحكم علي ، ولكن اكتب إلى معاوية ، فمنه وعده [1] ، فإن استقام لك الأمر فابعثني ، قال : ثم أرسل بالبيعة إلى الآفاق ، وإلى جميع الأمصار ! فجاءته البيعة من كل مكان إلا الشام ، فإنه لم يأته منها بيعة . فأرسل إلى المغيرة بن شعبة فقال له : سر إلى الشام فقد وليتكها . قال : تبعثني إلى معاوية وقد قتل ابن عمه ، ثم آتيه واليا ، فيظن أني من قتلة ابن عمه ؟ ولكن إن شئت أبعث إليه بعده ، فإنه بالحري إذا بعثت له بعهده أن يسمع ويطيع . فكتب علي إلى معاوية [2] : أما بعد فقد وليتك ما قبلك من الأمر والمال ، فبايع من قبلك ، ثم أقدم إلي في ألف رجل من أهل الشام . فلما أتى معاوية كتاب علي دعا بطومار فكتب فيه : من معاوية إلى علي ، أما بعد ، فإنه : ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب فلما أتى عليا الكتاب ، ورأى ما فيه ، وما هو مشتمل عليه ، وكره ذلك ، وقام فأتى منزله فدخل عليه الحسن ابنه ، فقال له : أما والله كنت أمرتك فعصيتني ، فقال له علي : وما أمرتني به فعصيتك فيه ؟ قال : أمرتك أن تركب رواحلك ، فتلحق بمكة المشرفة ، فلا تتهم به ، ولا تحل شيئا من أمره فعصيتني ، وأمرتك حين دعيت إلى البيعة أن لا تبسط يدك إلا على بيعة جماعة ، فعصيتني ، وأمرتك حين خالف عليك طلحة والزبير أن لا تكرههما على البيعة ، وتخلي بينهما وبين وجههما ، وتدع الناس يتشاورون عاما كاملا ، فوالله لو تشاوروا عاما ما زويت عنك ، ولا وجدوا منك بدا ، وأنا آمرك اليوم أن تقيلهما بيعتهما ، وترد إلى الناس أمرهم ، فإن رفضوك رفضتهم ، وإن قبلوك قبلتهم ، فإني والله قد رأيت الغدر في رؤوسهم ، وفي وجوههم النكث والكراهية . فقال له علي : أنا إذا مثلك ، لا والله يا بني ، ولكن أقاتل بمن أطاعني من عصاني ، وأيم الله يا بني ما زلت مبغيا علي منذ هلك جدك ، فقال له الحسن : وأيم الله يا أبت ليظهرن عليك معاوية ، لأن الله تعالى قال : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) [ الإسراء : 33 ] فقال علي : يا بني ، وما علينا من ظلمه ، والله ما ظلمناه ، ولا أمرنا
[1] زيد في الطبري : فأبى علي وقال : والله لا كان هذا أبدا . [2] ابن كثير ذكر في البداية والنهاية أن عليا ولى الشام سهل بن حنيف .