بناس لك قتلك بالظنة ، وأخذك بالتهمة ، وإمارتك صبيا يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلا وقد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعية والسلام . قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة قال : وذكروا أنه لما جاوب القوم معاوية بما جاوبوه ، من الخلاف لأمره ، والكراهية لبيعته ليزيد ، كتب إلى سعيد بن العاص [1] ، يأمره أن يأخذ أهل المدينة بالبيعة ليزيد ، أخذا بغلظة وشدة ، ولا يدع أحدا من المهاجرين والأنصار وأبنائهم حتى يبايعوا ، وأمره أن لا يحرك هؤلاء النفر ، ولا يهيجهم . فلما قدم عليه كتاب معاوية أخذهم بالبيعة أعنف ما يكون من الأخذ وأغلظه ، فلم يبايعه أحد منهم . فكتب إلى معاوية : إنه لم يبايعني أحد ، وإنما الناس تبع لهؤلاء النفر ، فلو بايعوك بايعك الناس جميعا ، ولم يتخلف عنك أحد . فكتب إليه معاوية يأمره أن لا يحركهم إلى أن يقدم ، فقدم معاوية المدينة حاجا ، فلما أن دنا من المدينة خرج إليه الناس يتلقونه ، ما بين راكب وماش ، وخرج النساء والصبيان ، فلقيه الناس على حال طاقتهم وما تسارعوا به في الفوت والقرب ، فلان لمن كافحه ، وفاوض العامة بمحادثته وتألفهم جهده ، مقاربة ومصانعة ، ليستميلهم إلى ما دخل فيه الناس ، حتى قال في بعض ما يجتلبهم به : يا أهل المدينة ما زلت أطوي الحزن من وعثاء السفر بالحب لمطالعتكم ، حتى انطوى البعيد ، ولان الخشن ، وحق لجار رسول الله أن يتاق إليه . فرد عليه القوم : بنفسك ودارك ومهاجرك ، أما إن لك منهم كإشفاق الحميم البر ، والحفي المتعاهد [2] . قال : حتى إذا كان بالجرف [3] لقيه الحسين بن علي ، و عبد الله بن عباس ،
[1] في العقد الفريد 4 / 371 وفتوح ابن الأعثم 4 / 232 : كتب إلى مروان بن الحكم . [2] الحفي : القريب الذي يحترم صاحبه ويحتفل به . المتعاهد : أي الذي يداوم الحفاوة . [3] الجرف : بالضم فسكون ، موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام ( معجم البلدان ) .