كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر رضي الله عنه ، فأتيته فاستوى جالسا ، وقال : إي والذي لا إله إلا هو ، استخلفه ، وهو كان أعلم بالله تعالى ، وأتقى لله تعالى ، من أن يتوثب عليهم لو لم يأمره . استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه عن ابن أبي مريم ، قال : حدثنا العرياني ، عن أبي عون بن عمرو بن تيم الأنصاري رضي الله عنه ، وحدثنا سعيد بن كثير ، عن عفير بن عبد الرحمن قال : حدثنا بقصة استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ، وشأن السقيفة ، وما جرى فيها من القول ، والتنازع بين المهاجرين والأنصار وبعضهم يزيد على بعض في الكلام ، فجمعت ذلك وألفته على معنى حديثهم ، ومجاز لغتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه الذي قبض فيه ، متوكئا على الفضل بن العباس رضي الله عنهما ، وغلام يقال له ثوبان [1] رضي الله عنه ، ثم رجع صلى الله عليه وسلم فدخل منزله ، وقال لغلامه : اجلس على الباب ولا تحجب أحدا من الأنصار رضي الله عنهم ، فأحدقوا بالباب ، وقالوا للغلام : ائذن لنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : عنده نساؤه رضي الله تعالى عنهن ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بكاءهم ، فقال : من هؤلاء ؟ فقيل له الأنصار رضي الله عنهم يبكون ، فخرج صلى الله عليه وسلم متوكئا على علي والعباس رضي الله عنهما فدخل المسجد واجتمع الناس إليه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنه لم يمت نبي قط إلا خلف وراءه تركة وإن تركتي فيكم الأنصار رضي الله عنهم ، وهم كرشي [2] التي آوي إليها ، أوصيكم بتقوى الله تعالى ، والإحسان إليهم ، فقد علمتم أنهم شاطروكم [3] وواسوكم في العسر واليسر نصروكم في النشط والكسل ، فاعرفوا
[1] ثوبان : مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بن بجدد أبو عبد الله أصله من أهل السراة ( بين مكة واليمن ) اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعتقه خدم النبي صلى الله عليه وسلم حتى وفاته ، توفي في حمص سنة 54 . [2] قال أبو عبيد في غريب الحديث عن أبي زيد الأنصاري : يقال عليه كرش من الناس يعني جماعة . وقال غيره : فكأنه أراد جماعتي وصحابتي الذين أثق بهم وأعتمد عليهم . وقال الأحمر : يقال : هم كرش منثورة ( يعني صبيان صغار ) . [3] شاطروكم : من الشطر . قال المبرد في الكامل : وأصل هذا من التنصيف . وللشطر وجهان في كلام العرب فأحدهما النصف . . من ذلك قولهم : شاطرتك مالي ، والوجه الآخر : القصد ، يقال : خذ شطر زيد ، أي قصده ، قال الله تعالى : ( فول وجهك شطر المسجد الحرام ) أي قصده .