فتضرب عنقه في غير حدث خير له من أن يخوض عمرات الدنيا . فقال له عبد الرحمن بن عوف : خفض عليك من هذا يرحمك الله ، فإن هذا يهيضك [1] على ما بك ، وإنما الناس رجلان : رجل رضي ما صنعت ، فرأيه كرأيك ، ورجل كره ما صنعت ، فأشار عليك برأيه ، ما رأينا من صاحبك [2] الذي وليت إلا خيرا ، وما زلت صالحا مصلحا ، ولا أراك تأسى على شئ من الدنيا فاتك . قال : أجل ، والله ما آسى إلا على ثلاث فعلتهن ، ليتني كنت تركتهن ، وثلاث تركتهن ليتني فعلتهن ، وثلاث ليتني سألت رسول الله عنهن ، فأما اللاتي فعلتهن وليتني لم أفعلهن ، فليتني تركت بيت علي وإن كان أعلن على الحرب ، وليتني يوم سقيفة بني ساعدة كنت ضربت على يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر فكان هو الأمير وكنت أنا الوزير ، وليتني حين أتيت بذي الفجاءة السلمي أسيرا أني قتلته ذبيحا أو أطلقته نجيحا ، ولم أكن أحرقته بالنار . وأما اللاتي تركتهن وليتني كنت فعلتهن ، ليتني حين أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا أني قتلته ولم أستحيه ، فإني سمعت منه ، وأراه لا يرى غيا ولا شرا إلا أعان عليه ، وليتني حين بعثت خالد بن الوليد إلى الشام ، أني كنت بعثت عمر بن الخطاب إلى العراق ، فأكون قد بسطت يدي جميعا في سبيل الله : وأما اللاتي كنت أود أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن ، فليتني سألته لمن هذا الأمر من بعده ؟ فلا ينازعه فيه أحد ، وليتني كنت سألته : هل للأنصار فيها من حق ؟ وليتني سألته عن ميراث بنت الأخ والعمة ، فإن في نفسي من ذلك شيئا . ثم دخل عليه أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا خليفة رسول الله ، ألا ندعو لك طبيبا ينظر إليك ؟ فقال : قد نظر إلي [3] . قالوا : فماذا قال ؟ قال : إني فعال لما أريد . ثم قال لهم : انظروا ماذا أنفقت من بيت المال ، فنظروا فإذا هو ثمانية آلاف درهم : فأوصى أهله أن يؤدوها إلى الخليفة بعده . ثم دعا عثمان بن عفان فقال : اكتب عهدي ، فكتب عثمان وأملى عليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة آخر عهده في الدنيا نازحا عنها ، وأول عهده بالآخرة داخلا فيها : إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، فإن تروه عدل فيكم ، فذلك ظني به ورجائي فيه ، وإن بدل وغير فالخير أردت ، ولا أعلم الغيب ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون . ثم ختم الكتاب ودفعه ، فدخل عليه المهاجرون والأنصار حين
[1] يهيضك : يضعفك . [2] يريد عمر رضي الله عنه . [3] يريد أن الله هو الطبيب وقد نظر إليه .