منهما تكامل وارتفاع وصعود كما أن لهما تسافلاً وهبوطاً وانحداراً . ولندقق النظر في تكامل الروح فإن الله تعالى قد كرم بني آدم بالقوى العقلية والعملية المختلفة التي تضمن للانسان أفضل السبل للصعود إلى الكمالات العالية . وعلى رأس القوى العملية والإدراكية يقف العقل ليقود هذه القوى ، فإذا ما رضخت له القوى الأخرى تصاعد الانسان في الكمالات ، وإذا ما انقلبت الآية ولم يأخذ العقل موقعه المناسب تجد الإنسان في هبوط وانحدار . والقوى العقلية على نحوين : العقل النظري والعقل العملي . والأول وظيفته الإدراك . والآخر وهو العقل العملي ووظيفته الإدراك والعمل والتأثير على القوى المادون التي تتبعه في الحركة ، فيكون أميرا لها وتكون أسيرة له ، وفي اتباعه لا تكون ملجئة بل يبقى للقوى الآخرى الاختيار في اتباع العقل العملي ، فإذا ما تسلطت القوى المادون على قوة العقل العملي فتكون إمام ضلال وباطل ، وقد ورد في حكمة لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « كم من عقل أسير تحت هوى أمير » [1] . أما إذا أذعنت لقوة العقل العملي فإنه يصبح إمام هدى ، فالعقل العملي هاد ومرشد لقوى الانسان المختلفة ، ووجود هذه القوة أمر لا بد منه وإلا لسعت كل قوة إلى ما يؤدي إلى تكاملها وأدى الصراع بين قوى الانسان إلى فنائه ، فيحتاج إلى ما يكون هاديا وموصلا للكمال وهو العقل العملي ، وزود هذا العقل بسلطة إخضاع القوى المادون مع احتفاظ النفس الانسانية بالاختيار ، والاختيار حيثية نفسانية توظفه النفس - التي هي غير القوى العملية والإدراكية - في يد القوى الفوقانية أو القوى المادون ، ولو كان العقل العملي ملجئا وسالبا للاختيار لما صدرت المعصية من أحد لأنه موجود في كل إنسان .