وبعد انتصاره رابط في الكوفة ، واشتغل بترتيب أوضاع الحجاز والعراق ، بل بترتيب مستقبل الدولة العباسية ، واتخذ في ذلك قرارات تاريخية هامة ، سياسية وعقائدية وفقهية ، كانت وما زالت هي الحاكمة على حياة المسلمين وثقافتهم ! وبذلك صار المنصور عمر بن الخطاب الثاني ، لأن الأول كان مهندس الخلافة الإسلامية وخطوط ثقافتهم العامة ، وكان المنصور المهندس الثاني للخلافة ومذاهبها الفقهية وعقائدها وتفاصيل ثقافتها ! وأبرز مراسيمه وقراراته ستة : الأول : تأسيس مذاهب مقابل مرجعية الإمام الصادق ( عليه السلام ) يعترف أئمة المذاهب بأن الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) أبُ المذاهب الفقهية ، وأستاذ أئمتها ، ويروون تعظيمهم له ( عليه السلام ) علمياً وفقهياً وتقوى ! لذلك قرر المنصور أن يؤسس مذاهب فقهية بإمامة تلاميذ الإمام الصادق ( عليه السلام ) ليصرف مرجعية المسلمين منه إليهم ! قال الذهبي في سيره ( 8 / 111 ) وابن خلدون في مقدمته / 18 ، إن المنصور أحضر مالك بن أنس وقال له بدهائه : « لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك ! وإني قد شغلتني الخلافة ، فضع أنت للناس كتاباً ينتفعون به ، تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر ووطئه للناس توطئة . قال مالك : فوالله لقد علمني التصنيف يومئذ » ! وقال القاضي عياض في ترتيب المدارك / 124 : « قال مالك : فقلت له : إن أهل العراق لا يرضون علمنا ( لأنهم شيعة أو متأثرون بهم ) !