وحلاله وحرامه لا يتبدّلان مدى العمر ، فلا شرائع ولا مشرّعين ولا مذاهب ولا أديان . ولكن أين للأمّة اختيار ذلك الحاكم العالم ؟ ومن أين تعرفه ؟ ولو عرفته فمن أين له اتفاق الكلمة عليه ، والناس مختلفو النزعات متباينو الأغراض ؟ فوجب عليه تعالى أن ينصب لهم هذا الإمام ، ويعرّفهم بواسطة الرسول ذلك الخلف العادل ، والعالم العامل ، لأن اللّه سبحانه أنظر لعباده ، وأدرى بمن يليق لهذا المنصب الخطير ، والمقام العظيم . فإذا كان نصب الإمام واجباً عليه تعالى استحال في العقول أن يهمل سبحانه الواجب فيما يصلح عباده ، ويهدي خليقته ، كما يستحيل على الرسول أن يترك التبليغ عنه تعالى بنصب هذا الإمام ، ولو جاز عليه ترك هذا الواجب لجاز عليه غيره . فمتى وجب الرسول وجب الإمام ، ومتى بعث اللّه رسولاً نصب الإمام ، فلا رسول بلا إِمام ، ولا شريعة بغير تفسير وتنفيذ . وأمّا الدليل على الثاني وهو وجود هذا الإمام فالأمر فيه سهل بعد ما تقدّم ، لأنا إِذا اعتقدنا بوجوب نصب الإمام على تلك الصفات وأنه قد نصبه اللّه تعالى لخلقه اعتقدنا أنه تعالى لا يجعله مجهول الاسم والنسب ويعسر على الأمّة معرفته ، ولا نعرف في الأمّة أئمة ادّعي فيهم ذلك وادّعوها لأنفسهم غير علي وبنيه عليهم السّلام ، فلو لم يكونوا هم الأئمة لكانت الإمامة وذلك الوجوب لغواً . فلم يبق إذن إِلا أن نعرف عنهم أنهم أولئك العلماء الذين لا يجهلون ،