أقول : إِننا لنجد عياناً أن المتعلّم يتغذّى بروح معلّمه ، ويتشبّع بتعاليمه ، فالتلميذ إلى الضلالة أدنى إِن كان المعلّم ضالاً ، والى الهداية أقرب إِن كان هادياً ، لأن غريزة المحاكاة تقوى عند التلميذ بالقياس إلى معلّمه . وما حثّ على طلب العلم فحسب ، بل أراد منهم إذا تعلّموه أن يعملوا به فقال عليه السّلام : تعلّموا العلم ما شئتم أن تعلموا فلن ينفعكم اللّه بالعلم حتّى تعملوا به ، لأن العلماء همّهم الرعاية ، والسفهاء همّهم الرواية وقال : العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه أتعب نفسه في جمعه ولم يصل إلى نفعه وقال : مثل الذي يعلم الخير ولا يعمل به مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه وقال : إِن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلّت موعظته عن القلوب كما يزلّ المطر عن الصفا [1] . وقد دلّهم على ما يحفظون به ما يتعلّمونه فقال عليه السّلام : اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتّى تكتبوا . وممّا قاله للمفضّل بن عمر : اكتب وبثّ علمك في إِخوانك فإن متّ فورّث كتبك بنيك ، فإنّه يأتي زمان هرج ما يأنسون فيه إِلا بكتبهم . وقال : احتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون إليها . [2] إنه عليه السّلام ما أراد فضيلة العلم لأهل زمانه فحسب ، بل أرادها لكلّ جيل وعصر ، كما أنه ما أوصاهم بالتعلّم إِلا لأن يجمعوا كلّ فضيلة معه كما ستعرفه من وصاياه ، وكما تعرفه من قوله عليه السّلام : فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث ، وأدّى الأمانة