بني أُميّة قاطبة ، وبأمثال ذلك ، لا سيّما فيما يخصّ أبا سفيان وابنيه يزيد ومعاوية ، ولا تنس ما جاء عنه في آل أبي العاص ولا سيّما في الحّكم وابنه مروان [1] أترى لماذا يمنح الكتاب المبين أهل البيت بذلك الثناء الجزيل ويذكر بني أُميّة بذلك السوء والذمّ ، أيكيل العادل تعالى لأُولئك المدح جزافاً ، ولهؤلاء الذمّ اعتداءً ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً . نعم إنّ الطاعة هي التي تُقرّب الخلق من الخالق ، وإنّ المعصية هي التي تُبعد العبيد عن البارئ ، وإلا فانّ عباده لديه بالعطف واللطف وبالرحمة للمطيع وبالنقمة على العاصي شرع سواء ، فإنّه يدخل الجنّة من أطاعه وإن كان عبداً حبشيّاً ، والنار من عصاه وإن كان سيّداً قرشيّاً . فما كان دنّو أهل البيت من حظيرة القدس حتى منحهم تعالى بذلك الوسام الأرفع الذي لم يحظ به بشر سواهم إلا لتقواهم وامتثالهم لأوامره ، وما كان بُعد بني أُميّة عن ساحة الرحمة حتى صاروا الشجرة الملعونة في القرآن ، وحتى عمَّتهم لعنة الرسول صلّى اللّه عليه وآله مرَّة ، وخصّت الكثير منهم أخرى ، مشفوعة بالدعاء عليهم ، إلا لعصيانهم لجبّار السماوات والأرضين ، واستمرارهم على العصيان . ولو لم يقرئنا التاريخ قدر تلك الطاعة ، التي كان عليها أهل البيت ومبلغ ذلك العصيان الذي استقام عليه الأمويّون ، لكفى ذلك التقديس من الجليل في كتابه لأولئك ، وهذا الحظ من هؤلاء ، كاشفاً عمّا عليه الآل من الطاعة والانقياد ، وأميّة من التمرّد والابتعاد .
[1] لا يحتاج الخبير في هذا إِلى المصادر لكثرتها ، وإن أحببت الوقوف على شيء من ذلك فانظر شرح ابن أبي الحديد في التعليقة الماضية من الجزء والصحيفة و : 1 / 361 و : 2 / 106 و 410 و 4 / 148 والاستيعاب لابن عبد البر في مروان ، والحاكم عن أبي هريرة في آل أبي العاص ومروان وأبيه وبنيه إلى غير ذلك .