الصادق في العراق قضت السياسة العبّاسيّة وحذق رجالها العاملين - والقدر من ورائهم - بتقويض مُلك بني مروان ، والحيلولة دون نجاح الحسنيين ، وانتشار روح الإمامة في الناس للحسينيين ، بيد أنهم أخطأوا في سياسة الإرهاق والإرهاب مع الصادق عليه السّلام ، وحملهم إِيّاه إِلى العراق عدّة مرّات ، لأنهم بهذا خدموا الإمامة وأظهروا أمر أهل البيت أكثر ممّا لو تركوه وادعاً في مكانه . مازجت تربة العراق مودّة أهل البيت من بدء دخول الاسلام فيه ، لا سيّما وقد صار برهة عاصمة سلطانهم ، وبه مدفن عدّة من أعاظم رجالهم ، وبه حوادث لهم لا ينساها الناس والتأريخ ما دام بشر على وجه الأرض ، وما دام تأريخ مسطور ، كحادثة الطفّ وحادثة زيد . وإِن للنظر والمشاهدة أثراً لا يبلغه السماع ، فإن الجمال إذا اجتذب الأرواح الشفّافة ، والعواطف الرقيقة ، فبالعيان لا بالآذان ، نعم ربّ شيء يكون لسماعه أثر - والأذن تعشق قبل العين أحياناً - إِلا أنّ السماع لا يماثل المشاهدة مهما بلغ تصويره مبلغاً يجذب القلوب والمشاعر . كما أن للمظلوميّة عاطفة في القلوب ، ورحمة في النفوس ، لا سيّما إذا كان المظلوم من أماثل الناس ، وأعاظم العلماء .