يا أمير المؤمنين ، فقال لي : يا محمّد لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة أو يزيدون [1] وقد بقي سيّدهم وإِمامهم ، فقلت له : من ذلك ؟ قال : جعفر بن محمّد الصادق ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنه رجل أنحلته العبادة واشتغل باللّه عن طلب المُلك والخلافة ، فقال : يا محمّد لقد علمت أنك تقول به وبإمامته ولكن المُلك عقيم ، وقد آليت على نفسي ألا أمسي عشيّتي هذه أو أفرغ منه ، قال محمّد : فواللّه لقد ضاقت عليّ الأرض برحبها ، ثمّ دعا سيّافاً وقال له : إذا أنا أحضرت أبا عبد اللّه الصادق وشغلته بالحديث ووضعت قلنسوتي عن رأسي فهي العلامة بيني وبينك فاضرب عنقه ، ثمّ أحضر أبا عبد اللّه عليه السّلام في تلك الساعة ولحقته في الدار وهو يحرّك شفتيه فلم أدرِ ما الذي قرأ ، فرأيت القصر يموج كأنه سفينة في لجج البحار ، ورأيت أبا جعفر المنصور وهو يمشي بين يديه حافي القدمين مكشوف الرأس قد اصطكت أسنانه وارتعدت فرائصه ، يحمرّ ساعة ويصفرّ أخرى ، وأخذ بعضد أبي عبد اللّه وأجلسه على سرير ملكه وجثا بين يديه كما يجثو العبد بين يدي مولاه ، ثمّ قال : يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ما الذي جاء بك في هذه الساعة ؟ قال : جئتك يا أمير المؤمنين طاعة للّه ولرسوله صلّى اللّه عليه وآله ولأمير المؤمنين أدام اللّه عزّه [2] . قال : ما دعوتك ، والغلط من الرسول ، ثمّ قال : سل حاجتك ، فقال : أسألك ألا تدعوني لغير شغل ، قال : لك ذلك وغير ذلك ، ثمّ انصرف أبو عبد اللّه عليه السّلام سريعاً ، وحمدت اللّه عزّ وجل كثيراً ، ودعا أبو جعفر المنصور بالدواويج [3] ونام ولم ينتبه إِلا في نصف الليل ،
[1] أحسب أن هذه القصّة كانت بعد مقتل محمّد وإبراهيم لأن الحرب بالمدينة وبباخمري والسجون في الهاشميّة أهلكت العدد الكثير من العلويّين هذا سوى من قتله صبراً ، ولعلّ إرساله عليه كان إلى بغداد أيضاً . [2] لا بدع لو قال له : طاعة للّه ولرسوله ولأمير المؤمنين ، وإن لم تكن للمنصور طاعة ، لأن الخوف على النفس والنفيس يلزمه بالمجيء ، فتكون المحافظة عليهما واجبة والتخلّف إلقاء بالتهلكة . [3] بالجيم المعجمة جمع دواج كرمان وكغراب : اللحاف الذي يلبس .