وإن كان عاجزاً عن ذلك ، فلماذا قدر على التحول من بلاد المغرب إلى مكة وإلى الشام وبغداد ، والموصل ، ومصر ، وغير ذلك . . وعجز عن مواصلة تحوله ليصل إلى بلاد الشيعة فيحل فيها ، ويكتب فيها ما أحب ، ويصرح بما يريد ، تماماً كما حل في مكة ، فكتب الفتوحات المكية ، أو كما حل في الشام فكتب فصوص الحكم ؟ ! ولماذا - لو كان شيعياً - يصر على العيش في بلاد السنة ، التي لا يتمكن فيها من الجهر بعقائده ، وممارسة عباداته ، فليأت إلى بلاد أهل نحلته ، وليعيش فيها ، ويصرح في مؤلفاته بما يريد ، تماماً كما هو حال سائر علماء الشيعة ، الذين صرحوا في مؤلفاتهم بكل ما عندهم . ثالثاً : إذا كان الأمر كذلك حقاً ، فلماذا ظهرت التقية بهذا الحجم ، عند خصوص هذا المؤلف ، دون غيره ممن عاصره ، وعاش في نفس الظروف التي عاش فيها ؟ ! رابعاً : إنه يذكر في حق الشيعة أموراً مخترعة و مصطنعة ، لا يحتاج إليها لدفع شر الأعداء عنه ، بل كان يكفيه أن يظهر رفضه لمقالة الشيعة ، وثم يتجنب ذكرهم ، ويهمل أمرهم . وليس ثمة ما يضطره إلى ادعاء رؤيتهم بصورة خنازير ، ولا إلى غير ذلك مما ذكرنا طرفاً منه . . كما أنه يكفي في التقية في أمر الخلفاء : أن يظهر ما يقوله أهل السنة فيهم ، ويطلب منه أهل السنة أن يترحم على الحجاج ، ولا على أن يرفع المتوكل إلى درجة الأولياء ، ولا أن يدعي أنه عرج به إلى السماء ؛ فرأى أبا بكر على العرش . . إلى غير ذلك من أمور عجيبة وغريبة . إن ذلك كله لا تفرضه التقية عليه ، بل لا يفرضه عليه سوء السريرة ، وخبث الباطن . .