هل يسوغ ممن يتقي فضيحة الافتراء أن يقول في شأنه كان دأبه مراعاة صاحب الجاه والشوكة وعدم الاكتراث بالفقير والمسكين ، فمرة قطب في وجه الأعمى . وليت شعري ألم يسمع المتكلف من قطعيات السير والتواريخ هتافها بأن رسول الله " ص " كان من أول أمره إلى آخر عمره يعد الفقراء والمساكين خير جليس وأحسن أنيس وأخص سمير ، وأقرب بطانة حتى ساء ذلك أهل الشرف وشق عليهم . أفلم يسمع من القرآن الكريم إطراءه بمدح خلق رسول الله ، أفلم يسمع أقلا من الروايات التي تشبث بها هاهنا أن رسول الله كان شديد الاعتناء بابن أم مكتوم لأن الله عاتبه فيه . ومن الظرائف أن المتكلف أيد مزاعمه هذه بما أرسل روايته حسب مشتهاه . من أن الأقرع وعيينة وجدا رسول الله جالسا مع صهيب وبلال وعمار وخباب ونفر من ضعفاء المؤمنين فحقروهم وقالوا لرسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء ورائحة جبابهم ، وكانت لهم جباب صوف لها رائحة ليس عليهم غيرها لجالسناك وأخذنا عنك ، وأن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء إلا عبد فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا فإذا نحن فرغنا فاقعدهم حيث شئت قال : نعم قالوا : فاكتب لنا بذلك عليك كتابا فأتى بصحيفة ودعى عليا ليكتب فنزل قوله تعالى في سورة الأنعام 52 ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين ) . فأقول : أما أولا كيف يجعل هذه الرواية مؤيدة لما توضح بطلانه ، فأين هو عن صراحتها بأن رسول الله كان يجلس مع هؤلاء كأحدهم ولا يكون في مجلسه معهم صدر يختص به كعادة الأشراف ، وإن انفصالهم عنه ، واختصاص بعض مجالسه بذوي الجاه كان متعسرا يتوصل طالبه إلى تحصيل قراره بكتابة الصحائف . فهل هذا شأن من دأبه مراعاة صاحب الجاه والشوكة وعدم الاكتراث