آلهتهم كانوا يطلبون منه أن يذكر شفاعتها ، فكان كثيرا ما يجيب دعوتهم ثم يرجع عن ذلك ويدعى أن الله نهاه فورد في سورة الأحزاب 1 ( يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما 2 واتبع ما يوحي إليك من ربك ) . فلو لم يقترف ذنبا لما نهى عنه . أقول : ومن الظرائف دعوى المتكلف أن المشركين كانوا يرون ميلا من رسول الله إلى آلهتهم . وليت شعري هل وجدوا خصما دائم المثابرة لآلهتهم مثل رسول الله فلا توحشه في ذلك وحدة ولا يصده عنه اضطهاد ولا تميله عنه المطامع ، كما لا يخفى ذلك على العدو والصديق ، وأظرف من ذلك دعوى المتكلف أن رسول الله كان كثيرا ما يجيب دعوة قريش إلى شركهم . وهل وجد في الناس ضدا مقاوما للوثنية مثل رسول الله . وأن المتكلف ليعلم أنه لا يوافقه على هذه الخرافة أحد من الناس ، ولذا التجأ فيها إلى الاحتجاج الذي لا يخفى حتى عليه وهنه وسخافته بقوله : فلو لم يقترف ذنبا لما نهى عنه . أفيقول إن وصايا الشريعة ونواهيها لا تكون إلا بعد الوقوع في الذنب ؟ أفلم يتدبر في شريعة التوراة ؟ أفلم يتدبر في شرائع الملوك ؟ أفلم يتدبر في أحكام الموالي ؟ . وأظرف من ذلك نقضه بنفسه لهذا التوهم حيث قال في تتميم دعواه بزعمه ، روي أن أبا سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبا الأعور السلمي قدموا في الموادعة التي كانت بينه وبينهم وقام منهم ابن أبي ومتعب بن قشير والجد ابن القيس فقال له : ارفض ذكر آلهتنا وقل إن لها شفاعة وندعك وربك فادعى أن الله أنزل عليه ذلك . فهل ترى المتكلف لم يشعر أن هذه الرواية تنقض غرضه لصراحتها بأن رسول الله قد جبههم في هذه الآيات بالرد وآيسهم من أمانيهم الكاذبة . وفي تفسير البغوي : أنه شق على النبي قولهم وأمر عمر أن يخرجهم . وفي تفسير النسفي : هم أن يقتلهم فنزلت ( يا أيها النبي اتق الله ) يعني في قتلهم ونقض العهد ، ولعله لو قيل للمتكلف إذا فمن يشهد لك على مدعاك ؟