بالنظر والتقدم بالتمييز ليقف عندها على اليقين ، فرحمه الله ولطف به وأراه ملكوت السماوات والأرض ليكون بالتدبر والتدرب في النظر من الموقنين بالله ، فصار ينظر عند رؤيتها بالنظر الصائب ، ويسير متدرجا إلى حق المعرفة على جادة الصواب فأدرك فضل العالم العلوي على السفلي ، ثم أدرك فضل النير على غيره ، فإذا رأى الكوكب النير وقفت به الطفولية وعدم التقدم بالتمييز عنده فلما أفل الكوكب سدده فكره فقال : لا أحب الآفلين ولا يكون الإله متغيرا ، ولما رأى القمر بازغا مشرقا يفوق نوره نور الكوكب وقفت به الطفولية أيضا عنده فلما أفل أدرك أنه ضال في نظره ، فطلب الهدى من إلهه : فلما رأى الشمس بازغة بنورها الباهر وقفت به الطفولية أيضا ، فلما أفلت أوصله التدبر إلى الحق اليقين من العرفان وخالص الإيمان ، حتى لم يمض له يومان من أول تمييز الطفولية . ويمكن أن يكون وقوفه المذكور وقوف شك وحيرة واستعلام فيكون قوله : هذا ربي على سبيل الاستفهام ، وقد أسقط حرف الاستفهام من الآيات جريا على المتعارف من لسان العرب ، كما يشهد له الكثير من شعرهم ونثرهم ، والأقرب أن وقوفه المذكور كان وقوف فرض وتقدير إلى أن يحصل له من النظر ما يكشف عن الحق المبين ، وعلى كل حال لم يقع من إبراهيم الشرك القبيح المعاقب عليه حتى لو قلنا : بأن ما ذكرناه في شأنه كان في زمان مهلة النظر عند أول التكليف بالمعرفة ، فإن الإنسان لم يخلق عارفا بالله من أول أمره ، بل جعل الله له النظر لتحصل له فضيلة الجهاد في سبيله . فإن قلت : من أين لك هذه الوجوه في الآيات ؟ وهل هي إلا احتمال وتخمين ؟ . " قلت " : يدل عليها سوق الآيات والمتكرر في القرآن من قوله تعالى في وصف إبراهيم " وما كان من المشركين " . ثم أقول : هب أن هذه الوجوه احتمالات لا دليل عليها ، ولكن مع قيامها كيف يتجه للمتكلف أن يقول غير متأثم إن عبارة القرآن ناطقة بوقوع إبراهيم في عبادة الأصنام .