[ مدخل إلى العهد الجديد ] يظهر العهد الجديد بمظهر مجموعة مؤلفة من سبعة وعشرين سفرا مختلفة الحجم وضعت كلها باليونانية . ولم تجر العادة أن يطلق على هذه المجموعة عبارة العهد الجديد إلا في أواخر القرن الثاني . فقد نالت الكتابات التي تؤلفه رويدا رويدا منزلة رفيعة حتى أصبح لها من الشأن في استعمالها ما لنصوص العهد القديم التي عدها المسيحيون زمنا طويلا كتابهم المقدس الأوحد وسموها " الشريعة والأنبياء " ، وفقا للاصطلاح اليهودي في تلك الأيام . وإذا انتهى الأمر إلى أن يطلق على جملة تلك الكتابات عبارة " العهد الجديد " فذلك يعود في جوهره إلى أن اللاهوتيين المسيحيين الأولين رأوا ما ذهب إليه بولس ( 2 قور 3 / 14 ) وهو أن تلك النصوص تحتوي على أحكام عهد جديد تحدد عباراته العلاقات بين الله وشعبه في المرحلة الأخيرة من تاريخ الخلاص . وأدى بالمسيحيين كلامهم على عهد جديد إلى إطلاق عبارة " العهد القديم " على المجموعة التي كانت في الماضي تسمى " الشريعة والأنبياء " فأشاروا بذلك إلى أنهم يرون في تلك المجموعة قبل كل شئ ما فيها من أحكام العهد الموسوي القديم الذي جدده يسوع وتخطاه . إن تأليف تلك الأسفار السبعة والعشرين وضمها في مجموعة واحدة أديا إلى تطوير طويل معقد . والفجوة التاريخية والجغرافية والثقافية التي تفصلنا عن عالم العهد الجديد هي عقبة دون حسن التفهم لذلك الأدب . فلا بد لنا اليوم من النظر إليه في البيئة التي نشأ فيها وإلى انتشاره في أول أمره . فلا غنى لكل مدخل إلى العهد الجديد ، مهما كان مختصرا ، عن البحث في الأحوال التي حملت المسيحيين الأولين على إعداد مجموعة جديدة لأسفار مقدسة . ولا غنى بعد ذلك عن البحث كيف أن تلك النصوص ، وقد نسخت ثم نسخت مرارا ومن غير انقطاع ، أمكنها أن تجتاز نحو أربعة عشر قرنا من التاريخ الحافل بالأحداث التي مضت بين تأليفها من جهة وضبطها على وجه شبه ثابت عند اختراع الطباعة من جهة أخرى . ولا غنى له في الوقت نفسه عن أن يشرح كيف يمكن ضبط النص بعد ما طرأ عليه من اختلاف في الروايات في أثناء النسخ . وفي المدخل آخر الأمر محاولة لوصف على أحسن وجه ممكن للبيئة التاريخية والدينية والثقافية التي نشأ فيها العهد الجديد ثم انتشر . وقد جرت العادة أن يقال لهذه المظاهر الثلاثة : مسألة القانون ، ومسألة النص ومسألة البيئة لنشأة العهد الجديد .