الرسالة إلى العبرانيين ، أكثر من أي مؤلف آخر في العهد الجديد ، كيف تمت في المسيح الكتب المقدسة القديمة ، وهي تكشف عن مجمل العلاقات التي تحدد هذا الاكتمال المسيحي . هناك مجموعة متشابكة ، لا بل غريبة لأنها تجمع بين الايجاب والنفي حتى تؤدي إلى تخط غير منتظر . وأبلغ مثال على ذلك هو ذبيحة المسيح ، فإن موت المسيح على الصليب هو من جهة نفي مطلق للعبادة القديمة ، ويبدو خاليا من كل صلة بتلك العبادة ، لا بل تنقضها في أمور كثيرة . ولكن من تمعن في المسألة ، كشف عن استمرار عميق . ففي كل من هذه الجهة وتلك يقرب إلى الله قربان يصل به الأمر إلى إراقة الدم ، والهدف منه الحصول على غفران الخطايا . لكن كم للمسيح من التفوق ! إن طقس ذبح الحيوانات خلفه بذل قام به شخص ، فسار به إلى أقصى حد في طاعة لله تامة وفي تضامن والناس كاملة . ولذلك أدرك مرة واحدة الهدف الذي كان ينشد في العبادة القديمة وألغيت ، من جراء ذلك ، جميع الطقوس السابقة . هيهات أن يكون هذا المثل فريدا في نوعه ، فإن الكاتب ، من أول مؤلفه إلى آخره ، يعرض بعضا على بعض المواعد وتحقيقها ، والرموز القديمة واكتمالها ، وهو يدأب على إبراز مختلف العلاقات التي يمتاز بها سير التدبير الإلهي . إنه يشعر شعورا مرهفا باستمرار هذا التدبير الذي يقيم وحدة بين العهدين ، ولكنه لا يقل وعيا لما في الوحي الذي أتى به المسيح من جدة وبلوغ للغاية . [ الخاتمة ] لا ينكر أن قراءة الرسالة إلى العبرانيين تستوجب بذل شئ من الجهد ، ولكن هذا الجهد لا يلبث أن ينال جزاء حسنا . فإن القارئ يشعر بأن في هذا المؤلف رغبة شديدة في الاتصال بالله ، ويكتشف تعليما بعيد الغور في وساطة المسيح وتفهما حقيقيا لمصاعب المعيشة المسيحية ، حتى أنه لا يمل الرجوع إلى هذه الصفحات الغنية بفحواها . لا شك أن ما تزود به عصرنا هو ثمين أكثر منه في أي وقت مضى . فإن الرسالة إلى العبرانيين تخاطب مسيحيين حائرين معرضين لخور العزيمة . وهي تصف الدواء الناجع لهذا النوع من الداء ، فليس ذلك الدواء إرشادات مبهمة تدعو إلى الفضيلة ، بل جهد طيب يبذل للغوص في الإيمان الذي أتى به المسيح .