3 ) أعرب الكاتب في القسم الثالث ( 5 / 11 - 10 / 39 ) عن العقيدة كاملة تامة ، لأنها تظهر بكل جلاء الميزات الخاصة بكهنوت المسيح . فالمسيح عظيم كهنة من نوع جديد ( 7 / 1 - 28 ) ، وذبيحته الشخصية تختلف اختلافا شديدا عن الشعائر القديمة ، وقد فتحت باب القدس الحقيقي ( 8 / 1 - 9 / 28 ) ونالت لنا غفران الخطايا حقا ( 10 / 1 - 18 ) . فإن هذه الذبيحة تجعل نهاية للكهنوت القديم وللشريعة القديمة وللعهد القديم . هذا القسم أهم من سائر الأقسام وفيه مدخل ( 5 / 11 - 6 / 20 ) وخاتمة ( 10 / 19 - 39 ) . 4 ) أراد الكاتب أن يحمل المسيحين على سلوك الطريق الذي شقته ذبيحة المسيح ، فألح في رابع قسم ليظهر وجهين جوهرين من وجوه الحياة الروحية ، وهما الإيمان على مثال الأقدمين ( 11 / 1 - 4 ) والصبر الذي لا بد منه ( 12 / 1 - 13 ) . 5 ) وآخر الأمر وصف الكاتب في القسم الأخير ( 12 / 13 / 18 ) الحياة المسيحية ، فدعا المؤمنين إلى أن يسلكوا بعزم الطريق القويم ، طريق القداسة والسلام . [ كهنوت المسيح ] من السهل على المرء أن يرى أن ما أتت به الرسالة إلى العبرانيين في ميدان العقيدة هو قبل كل شئ وصف الوجه الذي يتسم به سر المسيح . فإن الرسالة إلى العبرانيين وحدها بين مؤلفات العهد الجديد تطلق على المسيح لقبي كاهن وعظيم الكهنة . لهذا الأمر شأن عظيم ، لأن فيه تعبيرا عن العلاقات بين الإيمان المسيحي وأحد أهم تيارات التقليد الكتابي الخاص بالعبادة ، من طقوس وذبائح وكهنوت وقدس إله إسرائيل . لم يكن شخص يسوع وعمله ، لأول وهلة ، مرتبطين بهذا الوجه من وجوه التعبير عن الدين . فإن يسوع لم يكن من الطبقة الكهنوتية ، ولم يدع لنفسه قط خدمة كهنوتية . أما حدث الجلجلة ، فلم يكن له قط في ظاهره شئ من شعائر العبادة ، بل قد ظهر فيه موت يسوع بمظهر عقوبة شرعية وعمل قانوني ينزل العار بالمحكوم عليه ، ويفصله عن شعب الله ، في حين أن الذبيحة هي عمل عبادة مجيدة يصل صاحبه بالله . إن طابع الذبيحة لآلام المسيح وقيامته لا يظهر بجلاء تام إلا بفضل تخط مزدوج : يجب زوال ضيق التفكير التقليدي المتمسك بإقامة الطقوس من جهة ، والكشف ، من جهة أخرى ، عن معنى الحدث في أعماقه ، ذلك المعنى الكامن وراء ما يجهر للعيان . تفتح الفكر المسيحي ليتقبل هذا النور ( راجع 1 قور 5 / 7 وروم 3 / 25 واف 5 / 2 و 1 بط 1 / 19 ) بإلهام أتاه من بعض آيات الأنبياء ( 1 ش 53 / 10 ) ومن أقوال يسوع ( 1 قور 11 / 25 ) وبإرشاد من بعض الظروف ، مثل وقوع آلام المسيح في موعد عيد الفصح . ففي الرسالة إلى العبرانيين بلغ إعلان كهنوت المسيح كل ما يرام له من الوضوح . فلم يكن من الممكن الوصول إلى تلك النتيجة إلا إذا أجري بكل تنبه تشبيه بين آلام المسيح وموته وبين الطقوس القديمة وذبائح الحيوانات . يخشى ، كما قلنا أن تحير تلك الإشارة قارئ عصرنا . ولكن يحسن بنا أن نرى أن الكاتب لم يتوقف عند هذه المرحلة ، بل لم يتكلم عليها إلا ليذهب بالمؤمن