عمل بولس ولا من عمل أي رسول آخر . ومع ذلك ، أعجب كثيرا بحسن استعمال الكاتب المجهول للأسفار المقدسة ، ولكنه رأى أن هناك عدة فقرات عسيرة . فالرسالة تنكر أنه يمكن الذين سقطوا في الخطيئة بعد العماد أن يتوبوا ( 6 / 4 - 6 و 10 / 26 و 12 / 17 ) . ولذلك عرض لوثر الرأي أن الرسالة إلى العبرانيين مؤلف خليط . أما كلفين فإنه لم يظهر أي تحفظ كان ، بل أعلن أن الرسالة إلى العبرانيين هي جزء من الأسفار الرسولية على وجه لا جدال فيه ، ونسب إلى حيلة شيطانية أنه طعن في سلطة الرسالة في الماضي ، ولكنه لم يعدها مع ذلك من عمل بولس . وظهر بعدئذ في تفسير البروتستانت شئ من تنوع الآراء . ففي القرن السابع عشر كان ما يشبه الإجماع على أن الرسالة لبولس ، ثم رجح الرأي المضاد لذلك . إن السلطة المعلمة في الكنيسة الكاثوليكية ، وهي أشد تعلقا بالتقليد ، اهتمت بالدفاع عن صحة نسبة الرسالة إلى بولس . ولكن تجب الإشارة إلى أن المجمع التريدنتيني أبى أن يلفظ رأيه صراحة في مسألة صحة نسبة الرسالة إلى بولس ، الأمر الذي أتاح الفرصة السانحة لهذا المفسر الكاثوليكي أو ذاك ليؤكد أن الكاتب هو تلميذ لبولس أتى بعمل مبتكر . ولما قامت المناقشات في أول القرن العشرين ، حظرت اللجنة الكتابية الرومانية على الكاثوليك إنكار أن الرسالة هي في أصلها لبولس ، وقبلت في الوقت نفسه القول القائل بأن الذي أنشأها هو غير بولس . إن المفسرين الكاثوليك في العصر الحديث يفهمون النسبة إلى بولس بالمعنى الواسع : فإن واحدا من أكثرهم علما يرى أن أبلس هو الذي ألف الرسالة بعد استشهاد بولس . [ مسألة صحة الرسالة ] لا شك أن الأدلة التي تنقض صحة نسبة الرسالة إلى بولس هي كثيرة . ذلك بأن الأسلوب العام للرسالة إلى العبرانيين لا يوافق البتة طبع الرسول بولس . فالإنشاء هادئ والتأليف منتظم وشخصية الكاتب مفرطة في التواري ( 2 / 3 ) . وتلاحظ فروق كثيرة في الألفاظ والتراكيب المستعملة ، بل حتى في طريقة تفهم سر المسيح . فمن العبث أن يبحث المرء في الرسالة إلى العبرانيين عن التسمية " المسيح يسوع " أو عن العبارة " في المسيح " ، وما أكثرها عند بولس . أما الشواهد من العهد القديم ، فلا يؤتى بها على أنها من " الكتب " و " كتب " و " قال الكتاب " ، بل على أنها أقوال : " قال " . وتكلم الكاتب مرات كثيرة على تنصيب المسيح في السماء ، ولكنه تكلم مرة واحدة فحسب على قيامته من بين الأموات ( 13 / 20 ) . وحتى في تلك الآية لم يستعمل عبارة مألوفة . إن عرضه للمسيح الكاهن فريد في العهد الجديد كله . وبموجز العبارة ، إننا تجاه شخص يختلف كثيرا عن شخص بولس . بلغ الأمر ببعضهم إلى إنكار كل علاقة بين مضمون الرسالة وفكر بولس . هذه مبالغة ظاهرة : فبوسع المرء أن يلاحظ صلة قرابة واضحة جدا بين الرسالة إلى العبرانيين وتعليم بولس في عدة أمور رئيسية :