يحسن التنبه له أن يوحنا روى أحداثا كثيرة وردت في الأناجيل الإزائية : ويصح هذا القول على وجه خاص في نشاط يوحنا المعمدان والمعمودية في الأردن وعدة معجزات ، ولا سيما معجزة تكثير الأرغفة ( 1 / 19 - 51 و 2 / 13 - 21 و 6 / 1 - 21 ) . وهناك جملة أخبار الآلام والقيامة ( 12 - 21 ) . وإذا قارنا بين هذه الأجزاء ، أمكننا أن نستنتج أن يوحنا توخى أحداثا يعرفها التقليد وأنه رواها بصدق ، لا بل أتى في عدة أمور بمواد طريفة يمكن الاعتماد عليها . فالإشارات الجغرافية والزمنية والأخبار عن المؤسسات اليهودية والرومانية تدل كلها على معرفة لشؤون الحياة في أوائل القرن الأول ( وقد زالت تلك الأحوال بعد حرب 66 - 72 ) ، مع أن يوحنا كان بعيدا جدا عنها . ومعنى ذلك أنه عني بالتزام الأحوال التاريخية التي عاش فيها يسوع ، فلسنا أمام قصة لاهوتية . والإنجيل يتكلم على كائن عاش ومات وقام في زمن معروف ( 2 / 20 ) ويوحنا عالم بما يقول فيه التقليد . ومن جهة أخرى فإن يوحنا يعد نفسه شاهدا ، أو على الأقل كانوا يعدونه كذلك ( 19 / 35 و 21 / 24 ) ، وهذا ما يقتضي أن يشهد الإنسان على أحداث أو حقائق له معرفة شخصية بها ويتخذ موقفا منها . فإذا صح أن الرسالة تتناول في الأساس أن " الكلمة صار بشرا وسكن بيننا " حتى أننا " رأينا مجده " ، أدركنا ما في الحقيقة التاريخية المروية من أهمية لا مثيل لها . فيوحنا يوضح معنى ما حدث في يسوع المسيح ، ولذلك فإن كتابه يبدو أولا رواية لسلسلة آيات اختارها من بين الكثير من الآيات ( 20 / 30 - 31 و 21 / 25 ) . وبذلك يدخل الإنجيلي في فن التقليد الكتابي الكبير الذي يصف ، مرحلة بعد مرحلة ، رواية علاقة الله بشعبه ، كأنها رواية أعمال الله في داخل تاريخ البشر . إن إسرائيل فضل دائما الحدث على " الكلمة " . فلا يكفي أن يروي الإنجيلي مجرد أحداث ، بل عليه أن يستخلص معناها ( راجع 9 / 1 - 41 ) ويدرك مداها وعمقها ، لكي يستطيع التلاميذ أن يتقدموا في المعرفة وينفتحوا للحياة الأبدية . وتروى الآيات " لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله ولتكون لكم إذا آمنتم الحياة باسمه " ( 20 / 30 - 31 ) . ويعلم يوحنا أن هذا التفهم التدرجي لم يحصل عليه إلا بالنظر إلى سر الفصح . فكان لا بد أن يجتاز المسيح إلى المجد الكامل بعد مروره بالصليب ، لكي يظهر ما في حياة يسوع وفي أصغر عمل من أعماله من معنى عميق . كان لا بد في الوقت نفسه من موهبة روح الحق وهو ثمرة الفصح ( 7 / 39 و 16 / 7 و 20 / 22 ) ، فالروح يسير بالمؤمنين إلى معرفة الحق كله ، أي إلى إدراك كل ما فيه حقيقة وعمل يسوع ابن الله المتجسد ( 16 / 5 - 15 ) . ذلك ما رسب في ذاكرة يوحنا : عودة إلى يسوع بحذافيرها لإدراك معناها ( 2 / 21 - 22 و 12 / 16 و 14 / 26 و 15 / 26 - 27 ) . نحصل على هذا التفهم ، وفقا لتقليد مسيحي وجيه ، إن ربطنا الأحداث التي عاشها يسوع بما في العهد القديم من أحداث وأقوال نبوية تنال بذلك معناها الحقيقي ( 2 / 17 و 5 / 37 - 47 و 7 / 17 و 12 / 16 و 37 - 41 و 19 / 24 و 28 و 36 - 37 ) . لقد أدرك يوحنا أكثر من أي واحد ما للحقائق الظاهرة في يسوع من جدة لا حد لها ، فعبر عنها وفقا لمناهج ذات طراز مسيحي . فنحن إذا أمام طريقة لا تردد في طابعها التاريخي ، وإن اختلفت اختلافا كبيرا عن الطرق أو المتطلبات الخاصة بالمؤرخين الوضعيين الذين يجعلون اهتمامهم في سرد الأحداث سردا دقيقا ، لا في