ثم إنهم شددوا تشديدا مطردا على الصلة بالعهد القديم وبعض البيئات اليهودية ، لا بل اكتشفوا بعض العلاقات بالتيارات الغنوصية . 1 ) الثقافة اليونانية : لا شك أن في إنجيل يوحنا وجوه شبه بالفكر اليوناني أكثر مما في الأناجيل الإزائية . فالاهتمام الظاهر بكل ما يمت بصلة إلى المعرفة والحق ، واستعمال لفظ " لوغس " ، واستعمال التمثيل خاصة ، كل ذلك كان من شأنه أن يوجه الدراسات إلى تلك الجهة . وكانوا يفكرون بفيلون الإسكندري خاصة ، فهو الذي حاول ، في أوائل القرن الأول ، أن يصبغ بالنفوذ اليوناني تراث اليهودية الديني . ذلك بأن المكانة المرموقة التي تحتلها فكرة " لوغس " الغامضة في مؤلفاته كانت تساعد على إثبات أمر التأثير اليوناني . لا يستبعد أن يكون التفكير الفيلوني قد انتشر في بعض البيئات اليهودية في خارج فلسطين فأحدث نمطا جديدا في البحث والحياة . ومن الممكن أن يكون يوحنا قد تعرف إلى إحدى تلك الحلقات . ولكن الرؤية الإجمالية هنا وهناك تختلف كل الاختلاف . فلا نرى عند يوحنا سلما للمعرفة يصعد من العلوم والتفكير الفلسفي إلى مشاهدة الكائن الإلهي . فالمهم عنده هو معرفة الابن المتجسد في الإيمان . والمعاني تتغير ، حتى عندما يستعمل الألفاظ الواحدة . " فاللوغس " مثلا ليس هو عند يوحنا خليقة وسيطة بين الله والكون ، بل الابن السابق الوجود والمشترك في عمل الآب اشتراكا تاما . وفي أوائل هذا القرن ، ازدادت معرفة ما لحياة القرن الأول الفلسفية والدينية من ألوان شعبية وتوفيقية ، وهذا الأمر مكن من معرفة وجوه شبه أخرى في التعبير . فاستنتج بعض الناس من ذلك أن إنجيل يوحنا ليس إلا تكييفا واسعا للمسيحية نقيت من أفكارها الرؤيوية واليهودية وحولت إلى صوفية فردية . 2 ) المؤثرات اليهودية : لكن تأصل الإنجيل الرابع في العهد القديم وفي اليهودية لم يلبث أن ظهر بوضوح . فقد رأى النقاد في الإنشاء كثيرا من العبارات السامية ، الأمر الذي حمل على الافتراض وجود نص أصلي آرامي . وقد شددوا إلى جانب ذلك على وفرة التلميحات العائدة إلى العهد القديم . أجل ، قل أن يستشهد يوحنا استشهادا ظاهرا بالعهد القديم ، وهو حريص على فصل التدبير القديم عن الجديد فصلا تاما ، غير أنه يكثر من تعابير العهد القديم ولا سيما من موضوعات الأدب الحكمي ، كالماء ، والطعام السماوي والمن ، والراعي ، والكرمة ، والهيكل : كأن يوحنا يعرف هذه الأفكار ومختلف أنواعها ولكنه يريد أن يستعملها استعمالا شخصيا مبتكرا . واعترفوا بوجود كثير من الصلات باليهودية المعاصرة للإنجيلي ( أساليب تفكير وطرق تأليف ومفردات لغوية مستعملة في البيئات الربانية ) ، لا بل اعتقد بعضهم أن هناك تلميحات أو اقتباسات تعود إلى الطقوس اليهودية . وما لا شك فيه أن يوحنا مطلع على ما كان ليهودية القرن الأول الفلسطينية من عادات فكرية ، وإلى جانب ذلك فلا يخفى عليه ما هي الفوارق الشديدة التي تفصل اليهودية عن المسيحية . لقد تم الانفصال بينهما ( 9 / 22 و 12 / 42 ) ولم يبق ليوحنا ، وهو البعيد جدا عن التمسك بالشرعية والطقسية اليهودية ، إلا أن يوضح جدة عالم التجسد وسموه . أما وثائق قمران المكتشفة قبل أربعين سنة ، فقد مكنت من التعرف إلى بيئة يهودية أخرى تماثل