ولا يقتصر الأمر على هذه الفصائل الكبرى للكتب المخطوطة فهناك صيغ وسط بين هذه الأمثلة المذكورة ، ولا حاجة بنا إلى تفصيل ذلك . حسبنا أن نشير إلى الفائدة المتوقعة من تحديد هذه الأمثلة للنص ومعرفة زمانها ومكانها ، بالاستناد إلى ما نعرفه من التاريخ والجغرافيا لدى مراجعة الترجمات والشواهد وعلم الكتابات والخطوط القديمة عندما يقتضي الأمر ذلك . وهكذا يمكن ، لدى البحث في كل قراءة أو سفر أو العهد الجديد كله ، معرفة الصيغ الأكثر قدما والأكثر ورودا والتي يقدر أن تكون الأقرب إلى الأصل الأول . وهذا النقد الأول الذي يقال له النقد الخارجي غير كاف ، فكثيرا ما يؤول هذا النقد إلى الوقوف على فقرة لها في القرن الثاني أو الثالث روايتان انتشرتا قليلا أو كثيرا ، ومن العسير اختيار إحداهما . فلا بد من اللجوء إلى النقد الباطني . فهو ينظر إلى القراءات نظره إلى أنها تبرز أمثلة مختلفة لنص العهد الجديد ، بل ينظر إلى كل رواية وحدها ويفحصها في حد ذاتها ، لأنها تدخل لا داعية له قام به الناسخ عن قصد أو غير قصد . وهدف أصحاب النقد الباطني أن يوضحوا بجلاء نوع التدخل الذي قام به الناسخ والأسباب التي دعته إلى ذلك التدخل . فيسهل بعد ذلك الارتقاء إلى القراءة القديمة التي تفرعت منها سائر الروايات ولا يحسن استعمال النقد الباطني وحده ، لأنه مرهون برأي الناقد . ولذلك جرت العادة ألا يستعمل النقد الباطني إلا وسيلة متممة للنقد الخارجي . ومهما يكن من أمر ، فإن النتائج التي حصل عليها علماء نقد النصوص منذ 150 سنة جديرة بالإعجاب . وبوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصا مثبتا إثباتا حسنا ، وما من داع إلى إعادة النظر فيه إلا إذا عثر على وثائق جديدة . أن هذه النتائج مكنت من التقدم الكبير الذي يراه المرء إذا قارن بين الطبعات الحديثة للعهد الجديد من جهة والطبعات التي ظهرت منذ 1520 إلى نحو سنة 1850 ، قبل العمل المحكم بقواعد علم نقد النصوص . الطبعة الأكثر انتشارا في أيامنا هي طبعة نستلي - ألاند ، وقد اعتمدت النص العائد للطبعات العلمية العصرية الثلاث ، قام بها في النصف الثاني للقرن التاسع عشر تيشندورف ، ووسكوت - هورت ، ووايس . إن العهد الجديد اليوناني الذي نشرته جمعيات الكتاب المقدس وحققه ك . ألاند وم . بلاك وب . م . ميتزجر وا . ويكرين بذل الجهد فيه لإدخال زيادة من التحسين على ذلك النص . [ بيئة العهد الجديد ] نشأت المسيحية في شعب عاش تاريخا مضطربا . فإن إسرائيل بعد جلائه الأليم إلى بابل ، الذي بلغ أثره أعماق نفسه ، عاد إلى فلسطين وأقام فيها ورتب أموره على قدر ما استطاع . ولكن اليهود تحققوا أن الأحوال قد تغيرت وأنه لا سبيل إلى العيش كما في الماضي . فإن فلسطين قد أمست أكثر مما