الثاني ، ولكن بقي أن يوضح محتوى القانون الجديد . ولم يوضح الجدول التام للمؤلفات العائدة إلى القانون إلا على نحو تدرجي ، وكلما تحقق شئ من الاتفاق ، بفضل الشعور النامي في الكنيسة بوحدتها ، وبفضل نمو العلاقات بين مختلف جماعات المسيحيين . فهكذا يجدر بالذكر ما جرى بين السنة 150 والسنة 200 ، إذ حدد على نحو تدرجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني ، وقد عده في أواخر القرن الثاني إيريناوس ، أسقف مدينة ليون ، سفرا مقدسا واستشهد به على أنه شهادة لوقا في كلامه على الرسل . ولا بد من القول أن سفر أعمال الرسل ضم إلى القانون خصوصا للصلة التي يمت بها إلى الإنجيل الثالث ، فهو مؤلف تابع لذلك الإنجيل . وكان نمو المسيحيين في التنبه لما لسلطة الرسل من شأن ، طوال القرن الثاني ، هو أيضا عاملا مهما على ضم مؤلف عد من غير إبطاء مقدمة لا يستغنى عنها لمجمل الرسائل . فإذا حاول المرء أن يستعرض حصيلة هذا التطور ، اتضحت له هذه الأمور : فازت الأناجيل الأربعة في كل مكان بمنزلة منيعة لا نزاع عليها البتة من بعد ، ويمكن منذ ذلك الوقت أن قانون الأناجيل قد اكتمل ، وأما القسم الآخر من القانون ( وهو أسفار الرسل ) فقد استشهد في كل مكان برسائل بولس الثلاث عشرة وبسفر أعمال الرسل وبرسالة بطرس الأولى كما يستشهد بالكتاب المقدس . وقد حصل شئ من الإجماع على رسالة يوحنا الأولى . فقد تجاوزت الصيغة الأخيرة للقانون مرحلة النشوء . ولكن ما زال هناك شئ من التردد في بعض الأمور . فإلى جانب مؤلفات فيها من الوضوح الباطني ما جعل الكنيسة تتقبلها تقبلها لما لا بد منه ، هناك عدد كبير من المؤلفات " الحائرة " يذكرها بعض الآباء ذكرهم لأسفار قانونية ، في حين أن غيرهم ينظر إليها نظرته إلى مطالعة مفيدة . ذلك شأن الرسالة إلى العبرانيين ورسالة بطرس الثانية وكل من رسالة يعقوب ويهوذا . وهناك أيضا مؤلفات جرت العادة أن يستشهد بها في ذلك الوقت على أنها من الكتاب المقدس ، ومن ثم جزء من القانون ، لم تبق زمنا على تلك الحال ، بل أخرجت آخر الأمر من القانون . ذلك ما جرى لمؤلف هرماس وعنوانه " الراعي " وللديداكي ورسالة اقليمنضس الأولى ورسالة برنابا ورؤيا بطرس . ويبدو أن مقياس نسبة المؤلف إلى الرسل استعمل استعمالا كبيرا ، ففقد رويدا رويدا كل مؤلف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة . فالأسفار التي ظلت مشكوكا في صحتها ، حتى القرن الثالث ، هي تلك الأسفار نفسها التي قام نزاع على صحة نسبتها إلى الرسل في هذا الجانب أو ذلك من الكنيسة . وكانت الرسالة إلى العبرانيين والرؤيا موضوع أشد المنازعات . وقد أنكرت صحة نسبتهما إلى الرسل إنكارا شديدا مدة طويلة . فأنكرت في الغرب صحة الرسالة إلى العبرانيين وفي الشرق صحة الرؤيا . ولم تقبل من جهة أخرى إلا ببطء رسالتا يوحنا الثانية والثالثة ورسالة بطرس الثانية ورسالة يهوذا . ولا حاجة إلى أن نتتبع تتبعا مفصلا جميع مراحل هذا التطور الذي أدى خلال القرن الرابع إلى تأليف قانون هو في مجمله القانون بعينه الذي نعرفه اليوم ، ما عدا التردد في ترتيب الأسفار في القانون . وأن الاهتمام بالوحدة في الكنيسة ، وقد ازداد فيها يوما بعد يوم الإقرار بحق الصدارة لسلطة كنيسة رومة ، قد ساهم مساهمة غير قليلة في تخفيف ما ظهر من الخلافات في هذه المرحلة أو تلك من التطور الذي رافق تأليف القانون .