responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام الجنائز نویسنده : محمد ناصر الألباني    جلد : 1  صفحه : 173


رقبة ، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، قال : حتى أسأل رسول الله ( ص ) ، فأتى النبي ( ص ) فقال : يا رسول الله إن أبي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، وإن هشاما أعتق عنه خمسين ، وبقيت عليه خمسون ، أفأعتق عنه ؟ فقال رسول الله ( ص ) :
( إنه لو كان مسلما فأعتقتم أو تصدقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك ، ( وفي رواية ) : فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك ) . [1] ( أخرجه أبو داود في آخر ( الوصايا ) ( 2 / 15 ) والبيهقي ( 6 / 279 ) والسياق له ، وأحمد ( رقم 6704 ) والرواية الأخرى له ، وإسنادهم حسن .



[1] قال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ( 4 / 79 ) : ( وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ، ويصل إليهما ثوابها ، فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) . ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد ، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص ، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت ، فيوقف عليها ، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها ) . قلت : وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية ، أن الآية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لأنه من سعيه بخلاف غير الولد ، لكن قد نقل النووي وغيره الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها ، هكذا قالوا ( الميت ) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد ، فإن صح هذا الاجماع كان مخصصا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة ، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات ، ولكنني في شك كبير من صحة الاجماع المذكور ، وذلك لامرين : الأول : أن الاجماع بالمعنى الأصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة ، كما حقق ذلك العلماء الفحول ، كابن حزم في ( أصول الأحكام ) والشوكاني في ( إرشاد الفحول ) والأستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه ( أصول الفقه ) وغيرهم ، وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الاجماع - ورواها عنه ابنه عبد الله بن أحمد في ( المسائل ) . الثاني : أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الاجماع فيها ، فوجدت الخلاف فيها معروفا ! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الاجماع فيها ، ولو شئت أن أورد الأمثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده . فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد ، وهو نقل النووي الاجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة ! مع أن الخلاف فيها قديم معروف ، وأكثر أهل العلم على خلاف الاجماع المزعوم ، كما سبق تحقيقه في المسألة ( 87 ) ، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى . وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد ، وهو قياس باطل من وجوه : الأول : أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه ) وغيرها من الآيات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالأعمال الصالحة ، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه على فكان له أجر ه بخلاف غيره . الثاني : أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت إن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره ، والله عز وجل يقول : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) ويقول ( لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ) . وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وحل ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) : ( أي كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الاجر إلا ما كسب هو لنفسه . ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا ايماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء ) وقال العز بن عبد السلام في ( الفتاوى ) ( 24 / 2 - عام 1692 ) : ( ومن فعل طاعة الله تعالى ، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت ، لم ينتقل ثوابها إليه ، إذ ( ليس للانسان إلا ما سعى ) ، فإن شرع في الطاعة ناويا أن يقع عن الميت لم يقع عنه ، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج ) . وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من ، الحنفية كما نقله الزبيدي في ( شرح الاحياء ) ( 10 / 369 ) . * الثالث : أن هذا القياس لو كان صحيحا ، لكان من مقتضاه استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعله السلف ، لأنهم أحرس على الثواب منا بلا ريب ، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير ، فدل هذا على أن القياس المذكور غير صحيح ، وهو المراد . وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ( الاختيارات العلمية ) ( ص 54 ) : ( ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا ، أو قرأوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين ، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل ) . وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة ، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف ، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره ! . وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( الروح ) بما لا ينهض من القياس الذي سبق بيان بطلانه قريبا ، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في * قلت : ومما بسق تعلم بطلان الاجماع الذي ذكره ابن قدامة في ( المغني ) ( 2 / 569 ) على وصول ثواب القراءة إلى الموتى ، وكيف لا يكون باطلا ، وفي مقدمة المخالفين الإمام الشافعي رحمه الله تعالى . وهذا مثال آخر من أمثلة ما ادعى فيه الاجماع وهو غير صحيح ، وقد سبق التنبيه على هذا قريبا . القياس في الأمور التعبدية المحضة لا سيما ما كان عنه على خلاف ما جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في ( تفسير المنار ) ( 8 / 254 - 270 ) ثم رد عليه ردا طيبا قويا ، فليراجعه من شاء أن يتوسع في المسألة . . وقد استغل هذا القول كثير من المبتدعة ، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة ، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها ، وجهل أولئك المبتدعة أو تجاهلوا أن أنصار السنة ، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة كما يفعل أولئك ! ولا يؤثرون على الحق الذي تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسنا في علمه وصلاحه ، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل ، وإلى الدليل ، وليس إلى التقليد ، جاعلين نصب أعينهم قول امام دار الهجرة ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر ) ! وقال : ( كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ) . وإذا كان من المسلم به عند أهل العلم أن لكل عقيدة أو رأى يتبناه في هذه الحياة أثرا في سلوكه إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فإن من المسلم به أيضا ، أن الأثر يدل على المؤثر ، وأن أحدهما مرتبط بالاخر ، خيرا أو شرا كما ذكرنا ، وعلى هذا فلسنا نشك أن لهذا القول أثرا سيئا في من يحمله أو يتبناه ، من ذلك مثلا أن صاحبه يتكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره ، لعلمه أن الناس يهدون الحسنات مئات المرات في اليوم الواحد إلى جميع المسلمين الاحياء منهم والأموات ، وهو واحد منهم ، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسبه . ! ألست ترى مثلا أن بعض المشايخ الذين يعيشون على كسب بعض تلامذتهم ، لا يسعون بأنفسهم ليحصلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكد يمينهم . ! وما السبب في ذلك إلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم ! فاعتمدوا عليه وتركوا العمل ، هذا أمر مشاهد في الماديات ، معقول في المعنويات كما هو الشأن في هذه المسألة . وليت أن ذلك وقف عندها ، ولم يتعدها إلى ما هو أخطر منها ، فهناك قول بجواز الحج عن الغير ولو كان غير معذور كأكثر الأغنياء التاركين للواجبات فهذا القول يحملهم على التساهل في الحج والتقاعس عنه ، لأنه يتعلل به ويقول في باطنه : يحجون عني بعد موتي ! بل إن ثمة ما هو أضر من ذلك ، وهو القول بوجوب إسقاط الصلاة ، عن الميت التارك لها ! فإنه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة ، لأنه يتعلل بأن الناس يسقطونها عنه بعد وفاته ! إلى غير ذلك من الأقوال التي لا يخفى سوء أثرها علي المجتمع ، فمن الواجب على العالم الذي يريد الاصلاح أن ينبذ هذه الأقوال لمخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة . وقابل أثر هذه الأقوال بأثر قول الواقفين عند النصوص لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس تجد الفرق كالشمس . فإن من لم يأخذ بمثل الأقوال المشار إليها لا يعقل أن يتكل على غيره في العمل والثواب ، لأنه يرى أنه لا ينجيه إلا عمله ، ولا ثواب له إلا ما سعى إليه هو بنفسه ، بل المفروض فيه أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرا حسنا يأتيه أجره ، وهو وحيد في قبره ، بدل تلك الحسنات المرهومة ، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدم السلف وتأخرنا ، ونصر الله إياهم ، وخذلانه إيانا ، نسأل الله تعالى أن يهدينا كما هداهم ، وينصرنا كما نصرهم .

173

نام کتاب : أحكام الجنائز نویسنده : محمد ناصر الألباني    جلد : 1  صفحه : 173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست