وَمِمَّا يُقَوِّي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءِ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك لَمْ يَضُرُّوكَ إلَّا بِشَيْءِ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ .رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الْحَقِيقَةِ إلَّا اللَّهُ وَلَا يَضُرُّ غَيْرُهُ وَكَذَا جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِي مُقْتَضَى الرُّبُوبِيَّةِ .فَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ الْعَظِيمَ اسْتَرَاحَ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْخَلْقِ وَنَظَرِهِ إلَيْهِمْ وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ لَوْمِهِ وَذَمِّهِ إيَّاهُمْ وَتَجَرَّدَ التَّوْحِيدُ فِي قَلْبِهِ فَقَوِيَ إيمَانُهُ وَانْشَرَحَ صَدْرُهُ وَتَنَوَّرَ قَلْبُهُ وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ وَلِهَذَا قَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ عَرَفَ النَّاسَ اسْتَرَاحَ .يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُونَ وَلَا يَضُرُّونَ .وَأَمَّا الشِّرْكُ الْخَفِيُّ فَهُوَ الَّذِي لَا يَكَادُ أَحَدٌ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهُ مِثْلُ أَنْ يُحِبَّ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ .فَإِنْ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لِلَّهِ مِثْلَ حُبِّ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ أَنْ يُحِبَّ الْمَحْبُوبَ وَمَا أَحَبَّهُ وَيَكْرَهَ مَا يَكْرَهُهُ وَمَنْ صَحَّتْ مَحَبَّتُهُ امْتَنَعَتْ مُخَالَفَتُهُ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنَّمَا تَقَعُ لِنَقْصِ الْمُتَابَعَةِ وَيَدُلُّ عَلَى نَقْصِ الْمَحَبَّةِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } الْآيَةَ .فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا .