مُرَادِهِ مِنْهُمْ لَمْ يَنَلْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا شَهِدَ عُبُودِيَّتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَيْقِظاً لِأَمْرِ سَيِّدِهِ لَا يَغِيبُ بِعِبَادَتِهِ عَنْ مَعْبُودِهِ وَلَا بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ بَلْ يَكُونُ لَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِأَحَدِهِمَا إلَى الْمَعْبُودِ كَأَنَّهُ يَرَاهُ كَمَا { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْإِحْسَانِ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك } وَالْأُخْرَى يَنْظُرُ بِهَا إلَى أَمْرِ سَيِّدِهِ لِيُوقِعَهُ عَلَى الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي يُحِبُّهُ مَوْلَاهُ وَيَرْضَاهُ .فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالشِّرْكُ إنْ كَانَ شِرْكاً يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ .وَهُوَ نَوْعَانِ : - شِرْكٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَشِرْكٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ .فَأَمَّا الشِّرْكُ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَهُوَ : أَنْ يَجْعَلَ لِلَّهِ نِدّاً - أَيْ : مِثْلاً فِي عِبَادَتِهِ أَوْ مَحَبَّتِهِ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ رَجَائِهِ أَوْ إنَابَتِهِ فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ .قَالَ تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَاتَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا فِي الْإِلَهِيَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ } الْآيَةَ { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } الْآيَةَ { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إلَهاً وَاحِداً إنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } - إلَى قَوْلِهِ - { الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ } .{ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُصَيْنِ : كَمْ تَعْبُدُ .قَالَ : سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِداً فِي السَّمَاءِ قَالَ : فَمَنْ الَّذِي تُعِدُّ لِرَغْبَتِك وَرَهْبَتِك ؟ قَالَ : الَّذِي فِي السَّمَاءِ .قَالَ : أَلَا تُسْلِمُ فَأُعَلِّمَكَ كَلِمَاتٍ فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ : اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَقِنِي شَرَّ نَفْسِي } وَأَمَّا الرُّبُوبِيَّةُ فَكَانُوا مُقِرِّينَ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ