وَهَذَا كُلُّهُ تَفْصِيلُ الشَّهَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا أَصْلُ الدِّينِ : شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَالْإِلَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ إنْ يُؤَلِّهَهُ الْعِبَادُ وَيَدْخُلُ فِيهِ حُبُّهُ وَخَوْفُهُ فَمَا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ الْأُلُوهِيَّةِ فَهُوَ حَقٌّ مَحْضٌ لِلَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ أُمُورِ الرِّسَالَةِ فَهُوَ حَقُّ الرَّسُولِ .وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الدِّينِ الشَّهَادَتَيْنِ : كَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الشُّهَدَاءَ وَلَهَا وَصْفُ الشَّهَادَةِ .وَالْقِسِّيسُونَ لَهُمْ الْعِبَادَةُ بِلَا شَهَادَةٍ وَلِهَذَا قَالُوا : { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } وَلِهَذَا كَانَ الْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ أَوَّلُ وَاجِبَاتِ الدِّينِ كَمَا عَلَيْهِ خُلَّصُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَذَكَرَهُ مَنْصُورٌ السَّمْعَانِي وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَغَيْرُهُمَا وَجَعَلَهُ أَصْلَ الشِّرْكِ وَغَيَّرُوا بِذَلِكَ مِلَّةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ الدِّينِ كَمَا فَعَلَهُ قُدَمَاءُ الْمُتَفَلْسِفَةِ الَّذِينَ شَرَعُوا مِن الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ .وَمِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ : الْخُرُوجُ عَنْ الشَّرِيعَةِ الْخَاصَّةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ بِهَا مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي فِيهِ مُشَابَهَةُ الصَّابِئِينَ أَوْ النَّصَارَى أَوْ الْيَهُودِ وَهُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ الْمُشَابِهُ لِقِيَاسِ الَّذِينَ قَالُوا : { إنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا } فَيُرِيدُونَ أَنْ يَجْعَلُوا السَّمَاعَ جِنْساً وَاحِداً وَالْمِلَّةَ جِنْساً وَاحِداً وَلَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ مَشْرُوعِهِ وَمُبْتَدِعِهِ وَلَا بَيْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ .فَالسَّمَاعُ الشَّرْعِيُّ الدِّينِيُّ سَمَاعُ كِتَابِ اللَّهِ وَتَزْيِينُ الصَّوْتِ بِهِ وَتَحْبِيرُهُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ } وَقَالَ أَبُو مُوسَى : لَوْ عَلِمْتُ أَنَّك تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيراً .وَالصُّوَرُ وَالْأَزْوَاجُ وَالسَّرَارِيُّ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ تَعَالَى .