لِقَتْلِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَيْ مَا ضَعُفُوا لِذَلِكَ وَلَا دَخَلَهُمْ خَوَرٌ وَلَا ذَلُّوا لِعَدُوِّهِمْ بَلْ قَامُوا بِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْقِتَالِ حَتَّى أَدَالَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَصَارَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا .وَالثَّانِي : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ لِقَتْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يُنَاسِبُ صرخ الشَّيْطَانِ أَنَّ مُحَمَّداً قَدْ قُتِلَ لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاسِبُ لَفْظَ الْآيَةِ فَالْمُنَاسِبُ أَنَّهُمْ مَعَ كَثْرَةِ الْمُصِيبَةِ مَا وَهَنُوا وَلَوْ أُرِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ قُتِلَ وَمَعَهُ نَاسٌ لَمْ يَخَافُوا ؛ لَمْ يُحْتَجْ إلَى تَكْثِيرِهِمْ بَلْ تَقْلِيلُهُمْ هُوَ الْمُنَاسِبُ لَهَا ؛ فَإِذَا كَثُرُوا لَمْ يَكُنْ فِي مَدْحِهِمْ بِذَلِكَ عِبْرَةٌ .وَأَيْضاً لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحَابَةِ ؛ فَإِنَّهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ قَلِيلُونَ وَالْعَدُوُّ أَضْعَافُهُمْ فَيَقُولُونَ وَلَمْ يَهِنُوا ؛ لِأَنَّهُمْ أُلُوفٌ وَنَحْنُ قَلِيلُونَ .وَأَيْضاً فَقَوْلُهُ : { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ } يَقْتَضِي كَثْرَةَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَعْرِفُ أَنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ قُتِلُوا فِي الْجِهَادِ .وَأَيْضاً فَيَقْتَضِي أَنَّ الْمَقْتُولِينَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ ؛ فَإِنَّ مَنْ قَبْلَ مُوسَى مِن الأَنْبِيَاءِ لَمْ يَكُونُوا يُقَاتِلُونَ وَمُوسَى وَأَنْبِيَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُقْتَلُوا فِي الْغَزْوِ ؛ بَلْ وَلَا يُعْرَفُ نَبِيٌّ قُتِلَ فِي جِهَادٍ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا كَثِيراً وَيَكُونُ جَيْشُهُ كَثِيراً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ يَنْقَلِبُ سَوَاءٌ كَانَ النَّبِيُّ مَقْتُولاً أَوْ مَيِّتاً فَلَمْ يَذُمَّهُمْ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الْخَوْفِ بَلْ عَلَى الِانْقِلَابِ عَلَى الْأَعْقَابِ وَلِهَذَا تَلَاهَا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنْ لَمْ يَسْمَعُوهَا قَبْلَ ذَلِكَ .ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا مَعْنًى آخَرَ : وَهُوَ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ فَيُقْتَلُ مِنْهُمْ