بَلْ هُوَ خَيْرٌ بِلَا شَرٍّ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ وَلَا مَفْسَدَةٌ فَإِنَّ أَحَداً مِن الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ لَمْ يُعْبَدْ فِي حَيَاتِهِ بِحُضُورِهِ فَإِنَّهُ يَنْهَى مَنْ يَعْبُدُهُ وَيُشْرِكُ بِهِ وَلَوْ كَانَ شِرْكاً أَصْغَرَ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَجَدَ لَهُ عَنْ السُّجُودِ لَهُ وَكَمَا قَالَ { لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ وَلَكِنْ قُولُوا : مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَخَافُ الْفِتْنَةَ وَالْإِشْرَاكَ بِهِ كَمَا أَشْرَكَ بِالْمَسِيحِ وَالْعُزَيْرِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ قُبُورِهِمْ .وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ { اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ } وَقَالَ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ } يُحَذِّرُ مَا فَعَلُوا .وَبِالْجُمْلَةِ فَمَعَنَا أَصْلَانِ عَظِيمَانِ أَحَدُهُمَا : أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ .وَالثَّانِي : أَنْ لَا نَعْبُدَهُ إلَّا بِمَا شَرَعَ لَا نَعْبُدُهُ بِعِبَادَةِ مُبْتَدَعَةٍ .وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ هُمَا تَحْقِيقُ " شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ " كَمَا قَالَ تَعَالَى { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } .قَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ .قَالُوا : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟ قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصاً وَلَمْ يَكُنْ صَوَاباً لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَاباً وَلَمْ يَكُنْ خَالِصاً لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصاً صَوَاباً .وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ .وَذَلِكَ تَحْقِيقُ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } .