فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ مَا يَنْقُلُونَهُ نِزَاعٌ فَهُمْ أتقن فِي هَذَا الْبَابِ مِن الحَاكِمِ وَلَا يَبْلُغُ تَصْحِيحُ الْوَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَا يَبْلُغُ تَصْحِيحُ مُسْلِمٍ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَلْ كِتَابُ الْبُخَارِيِّ أَجَلُّ مَا صُنِّفَ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ أَعْرَفِ خَلْقِ اللَّهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ مَعَ فِقْهِهِ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَحَداً أَعْلَم بِالْعِلَلِ مِنْهُ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ عَادَةِ الْبُخَارِيِّ إذَا رَوَى حَدِيثاً اُخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ أَوْ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ أَنْ يَذْكُرَ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِذِكْرِهِ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ مَقْرُوناً بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ .وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ مَا أُنْكِرَ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِمَّا صَحَّحَهُ يَكُونُ قَوْلُهُ فِيهِ رَاجِحاً عَلَى قَوْلِ مَنْ نَازَعَهُ .بِخِلَافِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ فَإِنَّهُ نُوزِعَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ مِمَّا خَرَّجَهَا وَكَانَ الصَّوَابُ فِيهَا مَعَ مَنْ نَازَعَهُ كَمَا رَوَى فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِثَلَاثِ ركوعات وَبِأَرْبَعِ ركوعات كَمَا رَوَى أَنَّهُ صَلَّى بِرُكُوعَيْنِ .وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إلَّا بِرُكُوعَيْنِ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا الثَّلَاثُ وَالْأَرْبَعُ فِيهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ .وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي يَوْمَيْ كُسُوفٍ وَلَا كَانَ لَهُ إبْرَاهِيمَانِ .وَمَنْ نَقَلَ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ الشَّهْرِ فَقَدْ كَذَبَ وَكَذَلِكَ رَوَى مُسْلِمٌ { خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ } وَنَازَعَهُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ كَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا فَبَيَّنُوا أَنَّ هَذَا غَلَطٌ لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .