نام کتاب : مجموعة الرسائل والمسائل نویسنده : ابن تيمية جلد : 1 صفحه : 167
عن شهوده ، وبمعبوده عن عبادته ، وبموحده عن توحيده ، وبمذكوره عن ذكره ، وبمحبوبه عن حبه ، فهذا فناء عن إدراك السوى وهو فناء القاصرين . وأما الفناء الكامل المحمدي فهو الفناء عن عبادة السوى والاستعانة بالسوى وإرادة وجه السوى ، وهذا في الدرجة الثالثة وهو شهود التفرقة في الجمع ، والكثرة في الوحدة ، فيشهد قيام الكائنات مع تفرقها بإقامة الله تعالى وحده وربوبيته ، ويرى أنه ما من دابة إلا ربي آخذ بناصيتها ، وأنه على كل شيء وكيل ، وأنه رب العالمين ، وأن قلوب العباد ونواصيهم بيده ، لا خالق غيره و نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع ولا حافظ ولا معز ولا مذل سواه ، ويشهد أيضاً فعل المأمورات مع كثرتها وترك الشبهات [1] مع كثرتها لله وحده لا شريك له . وهذا هو الدين الجامع العام الذي اشترك فيه جميع الأنبياء والإسلام العام والإيمان العام ، وبه أنزلت السور المكية وإليه الإشارة بقوله تعالى : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " وبقوله : " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا : أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ؟ " وبقوله تعالى : " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " ولهذا ترجم البخاري عليه : " باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد " . وقد قال تعالى : " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " فجمع في الملل الأربع : " من آمن بالله واليوم