وقد استنقذني الله سبحانه من حضرة ( الحنيفة ) إلى سفينة ( الحنيفة ) بسبب الكذب في الشهادة من إمام المسجد ، وتنفري منه ، وإفتائي بعدم جواز الصلاة خلفه ، وفيه قصة طويلة ( والحمد الله على ذلك ) . وقد قال في " النيل " ، وفي البدر المنير : قيل لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث [1] . ومن هذا قولهم - حكاية عن الله سبحانه " اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم " - لأهل بدر هو من الموضوعات الواهيات لكونه مخالفا للقوانين الشرعية التي تدور عليها رحى الإسلام لإطلاق الخطابات لكل من آمن بغير استثناء ، أهل بدر ، وغيرهم كما قال سبحانه " واعتصموا بحبل الله جميعا " ، " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ! ، " وكتب عليكم الصيام " ، وهذا هو القانون الكلي من الشارع مع أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأصحابه قد حدوا البدريين الذين شربوا الخمر ، أو قذفوا المحصنات ، وغير ذلك ، وما من أمر شرعي يستثنى منه الأنبياء في الأكثر . ولما جاء في كنز العمال عن ابن عباس مرفوعا : من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنوبه وما تأخر ، رواه الخطيب [2] . ولما قال الحافظ في الفتح تحت قوله ( ع ) : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه [3] . زاد قتيبة عن سفيان : عند النسائي " وما تأخروا " ، كذا زادها حامد بن يحيى عند قاسم بن الأصبغ ، والحسين بن الحسن المروزي في كتاب الصيام له ، وهشام بن عمار في الجزء الثاني عشر من فوائده ، ويوسف بن يعقوب النجاحي في فوائده كلهم عن ابن عينية ، ووردت هذه الزيادة من طريق أبي سلمة من وجه آخر أخرجها أحمد عن طريق عامر بن سلمة عن محمد بن عمرو ، وعن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وعن ثابت ، وعن الحسن كلاهما عن النبي ( ص ) ، ووقعت هذه الزيادة من رواية مالك نفسه . أخرجها أبو عبد الله الجرجاني في " أماليه " من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري ( إلى أن قال ) وقد ورد في " غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب " عدة أحاديث جمعتها في كتاب مفرد ، وقد استشكلت هذه الزيادة من حيث إن المغفرة تستدعي سبق شئ يغفر ، والمتأخر عن الذنوب لم يأت ، فكيف يغفر ؟ ! والجواب عن ذلك يأتي في قوله ( ص ) حكاية عن الله تعالى أنه قال في أهل بدر " اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم " ، وتحصل الجواب أنه قيل أنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك ، وقيل : إن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة ، وبهذا أجاب جماعة منهم الماوردي في الكلام على حديث صيام عرفة ، وإنه يكفر سنتين سنة ماضية وسنة آتية ، ( إنتهى ) . قال في الفتح : قد استشكل قوله " اعملوا ما شئتم " فإن ظاهرة الإباحة وهو خلاف عقيدة الشرع ، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي ، أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب ، لأنه ( ص ) خاطب به
[1] النيل ، ج 1 ، ص 355 . [2] كنز العمال ، ج 4 ، ص 297 . [3] فتح الباري ، ج 7 ، ص 315 .