كُلَّ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مُلَابَسَتِهِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَنِيَّ يُصِيبُ أَبْدَانَ النَّاسِ ، وَثِيَابَهُمْ ، وَفُرُشَهُمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَلَغُ الْهِرُّ فِي آنِيَتِهِمْ ، فَهُوَ طَوَافُ الْفَضَلَاتِ ، بَلْ قَدْ يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنْ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْبُصَاقِ ، وَالْمُخَاطِ ، الْمُصِيبِ ثِيَابَهُ ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ مَنِيِّ الِاحْتِلَامِ وَالْجِمَاعِ ، وَهَذِهِ الْمَشَقَّةُ الظَّاهِرَةُ تُوجِبُ طَهَارَتَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلتَّنْجِيسِ قَائِماً ، أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّارِعَ خَفَّفَ فِي النَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ فَاجْتَزَأَ فِيهَا بِالْجَامِدِ ، مَعَ أَنَّ إيجَابَ الِاسْتِنْجَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ أَهْوَنُ مِنْ إيجَابِ غَسْلِ الثِّيَابِ مِنْ الْمَنِيِّ ، لَا سِيَّمَا فِي الشِّتَاءِ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ .فَإِنْ قِيلَ : الَّذِي يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : مَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ الْبَوْلِ ، وَالْغَائِطِ ، وَالْمَنِيِّ ، وَالْقَيْءِ } " رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ .وَحَدِيثُ عَائِشَةَ قَدْ مَضَى فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْسِلُهُ .الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ طَهَارَتَيْ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ ، فَكَانَ نَجِساً كَالْبَوْلِ وَالْحَيْضِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إيجَابَ نَجَاسَةِ الطَّهَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ ، فَإِنَّ إمَاطَتَهُ وَتَنْحِيَتَهُ أَخَفُّ مِنْ التَّطْهِيرِ مِنْهُ ، فَإِذَا وَجَبَ الْأَثْقَلُ ، فَالْأَخَفُّ أَوْلَى ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ ، فَإِنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إمَاطَةٌ وَتَنْحِيَةٌ ، فَإِذَا وَجَبَ تَنْحِيَتُهُ فِي مَخْرَجِهِ فَفِي غَيْرِ مَخْرَجِهِ أَحَقُّ وَأَوْلَى .الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَذْيِ فَكَانَ نَجِساً كَالْمَذْيِ ، وَذَاكَ ؛ لِأَنَّ الْمَذْيَ يَخْرُجُ عَنْ مُقَدِّمَاتِ الشَّهْوَةِ ، وَالْمَنِيُّ أَصْلُ الْمَذْيِ عِنْدَ اسْتِكْمَالِهَا ، وَهُوَ يَجْرِي فِي مَجْرَاهُ ، وَيَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِهِ ، فَإِذَا نَجِسَ الْفَرْعُ فَلَأَنْ يَنْجَسَ الْأَصْلُ أَوْلَى .الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الذَّكَرِ ، أَوْ خَارِجٌ مِنْ الْقُبُلِ ، فَكَانَ نَجِساً كَجَمِيعِ الْخَوَارِجِ مِثْلُ : الْبَوْلِ ، وَالْمَذْيِ ، وَالْوَدْيِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي النَّجَاسَةِ مَنُوطٌ بِالْمَخْرَجِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَضَلَاتِ الْخَارِجَةَ مِنْ أَعَالِي الْبَدَنِ لَيْسَتْ نَجِسَةً ، وَفِي أَسَافِلِهِ تَكُونُ نَجِسَةً ، وَإِنْ جَمَعَهَا الِاسْتِحَالَةُ فِي الْبَدَنِ