مَا يَسْقُطُ مِنْ الْقِيَامِ وَالصِّيَامِ وَالِاغْتِسَالِ فَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ مُسْتَيْقَنَةٌ بِخِلَافِ التَّدَاوِي ، وَأَيْضاً : فَإِنَّ تَرْكَ الْمَأْمُورِ بِهِ أَيْسَرُ مِنْ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { إذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " .فَانْظُرْ كَيْفَ أَوْجَبَ الِاجْتِنَابَ عَنْ كُلِّ مَنْهِيٍّ عَنْهُ ، وَفَرَّقَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ بَيْنَ الْمُسْتَطَاعِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَكَادُ يَكُونُ دَلِيلاً مُسْتَقِلّاً فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَأَيْضاً : فَإِنَّ الْوَاجِبَاتِ مِنْ الْقِيَامِ وَالْجُمُعَةِ وَالْحَجِّ تَسْقُطُ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِاسْتِبَاحَةِ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ ، وَهَذَا بَيِّنٌ بِالتَّأَمُّلِ .وَأَمَّا الْحِلْيَةُ : فَإِنَّمَا أُبِيحَ الذَّهَبُ لِلْأَنْفِ وَرَبْطِ الْأَسْنَانِ ؛ لِأَنَّهُ اضْطِرَارٌ ، وَهُوَ يَسُدُّ الْحَاجَةَ يَقِيناً كَالْأَكْلِ فِي الْمَخْمَصَةِ .أَمَّا لُبْسُ الْحَرِيرِ : لِلْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ إنْ سُلِّمَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ لَيْسَا مُحَرَّمَيْنِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَإِنَّهُمَا قَدْ أُبِيحَ لِأَحَدِ صِنْفَيْ الْمُكَلَّفِينَ ، وَأُبِيحَ لِلصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْضُهُمَا ، وَأُبِيحَ التِّجَارَةُ فِيهِمَا ، وَإِهْدَاؤُهُمَا لِلْمُشْرِكِينَ ، فَعُلِمَ أَنَّهُمَا أُبِيحَا لِمُطْلَقِ الْحَاجَةِ ، وَالْحَاجَةُ إلَى التَّدَاوِي أَقْوَى مِنْ الْحَاجَةِ إلَى تَزَيُّنِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ النَّجَاسَاتِ ، وَأُبِيحَ أَيْضاً لِحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِذَلِكَ فِي غَالِبِ الْأَمْرِ .ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرِيرِ وَالطَّعَامِ : أَنَّ بَابَ الطَّعَامِ يُخَالِفُ بَابَ اللِّبَاسِ ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الطَّعَامِ فِي الْأَبْدَانِ أَشَدُّ مِنْ تَأْثِيرِ اللِّبَاسِ عَلَى مَا قَدْ مَضَى ، فَالْمُحَرَّمُ مِنْ الطَّعَامِ لَا يُبَاحُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ الَّتِي هِيَ الْمَسْغَبَةُ وَالْمَخْمَصَةُ ، وَالْمُحَرَّمُ مِنْ اللِّبَاسِ يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَلِلْحَاجَةِ أَيْضاً ، هَكَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ ، وَلَا جَمْعَ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ مَعْلُومٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ ، وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنْ كُلِّ مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .الْوَجْهُ الثَّانِي : أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ ، أَيُتَدَاوَى بِهَا ؟فَقَالَ :