الْأُصُولِ الْمُسْتَقِرَّةِ إذَا تَعَارَضَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ ، فَالْعَمَلُ بِالْخَاصِّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ إبْطَالٌ لَهُ وَإِهْدَارٌ ، وَالْعَمَلُ بِهِ تُرِكَ لِبَعْضِ مَعَانِي الْعَامِّ ، وَلَيْسَ اسْتِعْمَالُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ بِبِدَعٍ فِي الْكَلَامِ ، بَلْ هُوَ غَالِبٌ كَثِيرٌ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا التَّعَارُضَ عَلَى التَّسَاوِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، فَإِنَّ فِي أَدِلَّتِنَا مِنْ الْوُجُوهِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّرْجِيحِ وُجُوهاً أُخْرَى مِنْ الْكَثْرَةِ وَالْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .وَمِنْ عَجِيبِ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ } " .وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ ، مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ إصَابَةَ الْإِنْسَانِ بَوْلَ غَيْرِهِ قَلِيلٌ نَادِرٌ ، وَإِنَّمَا الْكَثِيرُ إصَابَتُهُ بَوْلَ نَفْسِهِ ، وَلَوْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يُدْرِجَ بَوْلَهُ فِي الْجِنْسِ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُ الْعَذَابِ بِنَوْعٍ مِنْهُ ، لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ : " { أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ النَّجَاسَاتِ } " .وَاعْتَمَدَ أَيْضاً عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " { لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ } " .يَعْنِي الْبَوْلَ وَالنَّجْوَ .وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا يُفِيدُ تَسْمِيَةَ كُلِّ بَوْلٍ وَنَجْوٍ أَخْبَثَ ، وَالْأَخْبَثُ حَرَامٌ نَجِسٌ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ ، فَإِنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ فِيهِ شُمُولٌ لِغَيْرِ مَا يُدَافَعُ أَصْلاً .وَقَوْلُهُ : إنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُ الْجِنْسَ كُلَّهُ ، فَيُقَالُ لَهُ وَمَا الْجِنْسُ الْعَامُّ ، أَكُلُّ بَوْلٍ وَنَجْوٍ ؟أَمْ بَوْلِ الْإِنْسَانِ وَنَجْوِهِ ؟ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الَّذِي يُدَافِعُ كُلُّ شَخْصٍ مِنْ جِنْسِ الَّذِي يُدَافِعُ غَيْرُهُ ، فَأَمَّا مَا لَا يُدَافَعُ أَصْلاً فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ ، فَهَذِهِ عُمْدَةُ الْمُخَالِفِ ، وَأَمَّا الْمَسْلَكُ النَّظَرِيُّ : فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُجْمَلٌ وَمُفَصَّلٌ : أَمَّا الْمُفَصَّلُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ وَجْهَيْنِ :