لكن هل يعني ذلك افتراض أن التفكير الإسلامي كان خلوا من الابتكار ، وأنه عقيم فاقد حتى للخصائص التي يتميز بها تكفير كل أمة ؟ أن القول باقتصار الفكر الاسلامي العربي على الأخذ من اليونانيين وحدهم ، وبافتقاره إلى التأمل الذاتي والاختبار الشخصي قول لا يستند إلى حقيقة تاريخية واقعة ، فإن العرب لم يقفوا جهدهم على الناحية الإشراقية طريقة أفلاطون أو المشائية طريقة أرسطو ، وإنما أنفقوا الكثير من جهودهم وعنايتهم في تفهم أسرار المادة ، فاكتشفوا في علم الهيئة والطبيعيات والكيمياء والطب وسواها قوانين دقيقة ، اعترف بصحتها العلم الحديث [1] . وإننا لو رجعنا إلى الوثائق والمستندات التاريخية والآثار التي تركها لنا العرب لوجدنا أرقاما كافية للتدليل على أنهم لم يكونوا ناقلين فحسب ، بل إنهم أضافوا إلى التراث اليوناني ابتكارات وأفكارا جديدة لم يعهدها من قبلهم . إن أكثر ما نشاهده من هذه الخوارق اليوم أو نستخدمه أو نسمع به ، إنما جاء نتيجة تجارب وجهود كثيرة في قرون متطاولة ، كان العرب من ورائها يشاركون في وضعها . وقد يكون هذا القول مفاجئة لأول وهلة تثير التساؤل ، ذلك لأن تراث العرب مجهول لنا . ولكن الحقيقة ينبغي أن تبرز . ورجوعنا إلى الوثائق الثابتة تثبت أن للعرب القدم الراسخة في أغلب العلوم المعروفة اليوم وفي الكشوف الحديثة وسنثبت ذلك فيما يلي :