وقد قالوا من قبل - كما يقول الجاحظ - " يستدل على نباهة الرجل من الماضين بتباين الناس فيه ، وقال : ألا ترى أن عليا ( رضي الله عنه ) قال : يهلك في فئتان ، محب مفرط ومبغض مفرط ، وهذه صفة أنبه الناس وأبعدهم غاية في مراتب الدين وشرف الدنيا " [1] . ومما يجدر بالذكر أن ما جاء في زيفه وإلحاده وسوى ذلك من أحاديث ، إنما جاء من جانب خصوم ، عرف عنهم التحامل عليه وعلى الشيعة خاصة ، أو هو كلام خصوم أو غير خصوم متأخرين عنه ، رموه بما فيه وبما ليس فيه ، نصرة لنزعاتهم ، ودفاعا عن مذاهبهم . يقول الأستاذ أحمد أمين : والجاحظ يشتد عليه في المناقشة ويغضب في نقده غيرة منه على المعتزلة [2] . لذلك يجب أن نتلقى مثل هذه الاتهامات بتردد كبير وحيطة كاملة ، ولا سيما وقد عرفنا أن الإمام الصادق أعظمه وأكبره وأرشد إليه ووثقه ، وأن الإمامين الرضا والجواد ترحما عليه [3] . ومهما يكن من شئ فإن هناك حقيقة واقعية تسمو على قول المتخرصين ، وتبدد التهم والظنون . أنه بدون ريب من الشخصيات الموهوبة بالفكر والعلم ، قوي الشخصية واسع الخطوط ، ذو أفق عقلي مترامي الأطراف ، حاد الفطنة حاضر
[1] إبراهيم بن سيار ص 70 . [2] ضحى الإسلام ج 3 ص 269 . [3] أنظر التحفة ص 404 .