كائن مريد يملك فعله وإرادته ، وأنه ليس جمادا تحركه يد خارجة عنه . فهم وافقوا الشيعة بهذه النظرية التي تحمل انتقادا غير مباشر لما كان عليه خلفاء أمية من تسفل وجور وتجعلهم مسؤولين عن أعمالهم . ومن جهة ثانية وضع زعيمهم واصل بن عطاء وتبعه عمرو بن عبيد نظرية المنزلة بين المنزلتين ، وذهبا إلى أن مرتكب الكبيرة لا يسمى مؤمنا ولا كافرا ، وهم بهذا أيدوا السلطة الحاكمة وبرروا عدوانها بطريق غير مباشر ، وغمرت الطبقة الحاكمة أطياف من الابتهاج حين وجدت طبقة من العلماء يسكتون على عدوانها على الأقل ، ولا يحكمون عليها فعلا بإيمان أو بكفر . فالشيعة كما رأيت أول من حمل الثورة الفكرية في الإسلام ضد الطغيان ، وفي نظرياتها تكمن روح الثورة ، وأن عقيدة الإمامة التي آمن بها الشيعة حملتهم على انتقاد الطبقة الحاكمة ومعارضتها في جميع مراحل تاريخهم ، وجعلتهم يرون كل حكومة غاصبة ظالمة مهما كان نوعها إلا إذا تولى أمرها إمام معصوم ، لذلك كانوا في ثورة مستمرة ، لا يهدأون ولا يفترون ، فهم يقيسون كل حاكم على ما عندهم من مقاييس الإمام المعصوم فيرونه ناقصا غاصبا ، وعلى هذا استمروا ثائرين في السر والعلن على توالي الأجيال [1] .