الإمامة قد عرفت فيما سبق أن العراق الذي هو موطن هشام ولا سيما مدنه الكبيرة كالكوفة والبصرة وواسط وبغداد ، كان مهبط الثقافات وملتقى التيارات الكريمة التي هبت عليه في تلك الحقبة ، وكان ذلك أبان مهب العاصفة الاعتزالية التي كانت البصرة مهدا لها ومن أكبر مواطنها ، بعد أن حمل الاعتزال إليها واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، وقد تكونت أول مدرسة اعتزالية ، ثم تفرعت عنها مدرسة أخرى في بغداد بعد ذلك ، وكان بينهما تنافس وتسابق في مضامير المعرفة والثقافة ، أدى ذلك إلى وجود فرج كثيرة وتشعب في فكرة الاعتزال ، لا سيما في فكرة الإمامة ، فأكثر البصريين قالوا بتفضيل أبي بكر على علي بن أبي طالب ، وأكثر البغداديين قالوا بتفضيل علي على أبي بكر . وقد ظهر أثر هذا الاختلاف بين المدرستين تماما في ألوان التفكير والمذاهب التي أثرت عنهما . وكانت الكوفة في ذلك الحين أرحب مدن العراق صدرا للمذاهب والنحل ، فقد كانت مهد الشيعة الإمامية منذ أن اتخذها علي عليه السلام مقرا لخلافته ، ثم نشأ فيها المذهب