إنصافك ، فلست أخاف مشاغيتك ، فقام هشام وهو مشغول بثوب ينشره ، وقال حفظك الله ، هل يقدر أحدها أن يخلق شيئا لا يستعين بصاحبه عليه ؟ قال نعم . قال هشام : فما ترجو من اثنين وأحدهما خلق كل شئ أصح لك ؟ فقال الرجل : لم يكلمني بهذا أحد قبلك " [1] . وفي هذه الكلمة القصيرة من قوة الحجة الممدودة بالفكر العميق ، ما يغني عن شروح كثيرة في مثل هذا الموضوع ، ذلك لأن افتراض إلهين إنما يكون لأجل الحاجة إليهما معا ، أما إذا كان أحدهما يستطيع أن يصنع ويخلق كل شئ من غير أن يستعين بالثاني عليه ، ومن دون أن يكون للثاني عمل فيه ، فافتراض إلهين اثنين عبث ولغو . وهذا الاتجاه في تفكير هشام يبدو جليا فيما يرويه من الأصول ، عن الإمامين الصادق والكاظم فيما يتعلق بالبحوث العقلية ، ونواحي التوحيد وإثبات الصانع والصفات ونفي التجسيم وسوى ذلك ، وهو يروي مناظرات الإمام مع الزنادقة وسواهم ، مما يدل على تأصل هذه النزعة فيه ، التي تميل به إلى معالجة أمثال هذه المواضيع ، وتذوق البحث فيها . وقد كان هشام من أكبر العاملين على تنشيط الحجاج والمناظرة وتطويرهما ، وخصوصا حول الإمامة ، حتى كان الإمام الصادق يرشد إليه ، ويحث الناس على لقائه ومناظرته [2] .
[1] ضحى الإسلام ج 3 ص 268 . وأورده ابن قتيبة في عيون الأخبار ج 5 ص 54 . [2] الشافي ص 12 .